الأربعاء، 13 ديسمبر 2017

كلام صريح جدا : الاسلام والمرأة


الكثيرون من بيننا يتحمّسون كثيراً في دفاعهم عن الاسلام تجاه ما يُثار من شبهاتٍ ضده, وبالذات فيما يتعلق بموقف الاسلام من المرأة ونظرته لها. ويأخذ الحماسُ مداه مع البعض منا فيبدأ بكيل الاتهامات , بل والشتائم , للخصوم ,,, فيعتبرهم مُغرضين كذابين يكيلون تهماً لا أساس لها للاسلام الذي كرّم المرأة وأجلّها ورفع قدرها وأعطاها حقوقها كاملة وما تستحق من مكانةٍ تليق بإنسانيتها والتي لا تقل شأناً عن أخيها الرجل,,,,
ويقول المتحمّسون من بيننا : ان غاية ما هناك ان الاسلام طلب من المرأة الاحتشام في المظهر والسلوك وأن لباسها يجب ان يسترها تماما حفظا لها من أعين الرجال  الغرباء الطامعين في عرضها وشرفها., ولكن ذلك لا يُرضي الحاقدين المُغرضين الذين يلفقون التهم للاسلام العظيم لأنهم لا يحبون العفاف ويدعون الى الفجور والاباحية,,,,,

فهل الأمر كذلك؟ هل الاسلام بريء تماماً من تهمة الاساءة الى المرأة ؟؟ هل مشكلة الاسلام , ببساطة,  أنه دعا الى العفاف ؟  أم أن تهم المُغرضين لها أساس من الصحة؟
البحث العلمي والموضوعي يفيدنا : نعم , للأسف , هناك أساس للتهم التي يوجّهها الكارهون للاسلام بشأن المرأة. هناك نصوص دينية قوية فيها اساءة لا يمكن قبولها ولا تبريرها بحق المرأة.
هذه مشكلة حقيقية وموجودة , وعلينا الاقرار بها والتعامل معها , ولا يفيد التهرّب منها على طريقة النعامة ودفن الرأس في الرمال.

وسوف أتناول فيما يلي مثالين صارخين لتوضيح ذلك, ومن ثم موقفٌ لأحد كبار شيوخ زماننا,,,,, فإلى هناك


وقفة مع حديث ( يقطعُ الصلاةَ المرأةُ والحمارُ والكلبُ )

هذا الحديث ورد في الصحيحين , البخاري ومسلم, وهو بالتالي يتمتع بدرجة عالية من الصدقية عند الشيوخ التقليديين وغيرهم ممن يُضفون هالة من التقديس على كل ما رواه البخاري ومسلم من أحاديث, بل هو مقبولٌ لديهم ومُعتمد, ومقطوعٌ بصحته.
وقد جاء الحديث بعدة صياغاتٍ لفظية , لا تبعدُ كثيراً عن بعضها البعض . وأنا هنا أنقل نصّه من صحيح مسلم الذي بين يديّ الآن ( كتاب الصلاة / باب قدر ما يستر المصلي, المكتبة العصرية للطباعة والنشر , صيدا / بيروت, طبعة 2003):
عن أبي هريرة قال رسول الله (ص) " يقطعُ الصلاةَ المرأةُ والحمارُ والكلبُ , ويقي ذلك مِثلُ مؤخرةِ الرّحلِ ".
إذن نص الحديث واضحٌ وصريح, وهو يقرن المرأة بالكلب والحمار. وفي ذلك إساءة – وأيّ إساءة – للمرأة. بل تحقيرٌ لها وحطّ من قيمتها كإنسانة. هذا لا جدال فيه , وكل من يفهمُ العربية سيخرج بذات الاستنتاج. كما انّ صراحة النصّ تجعل من غير الممكن ترقيعُ الحديث أو تزويقه. "المرأة والحمارُ والكلبُ" هكذا بكل فجاجة صارخة, فلا تنفعُ معها محاولات التصليح,,,
وحتى أم المؤمنين السيدة عائشة هالها ما سمعته من إهانةٍ لكل النساء في هذا النص فانبرت لمعارضة هذا "الحديث" وحاولت ردّه وإظهار بطلانه. وفيما يلي نقلٌ من صحيح البخاري ( باب من قال لا يقطع الصلاة شيء, طبعة دار الجيل / بيروت) " عن مسروق عن عائشة , ذُكِرَ عندها ما يقطعُ الصلاة الكلبُ والحمارُ والمرأة, فقالت : شبّهتمونا بالحُمرِ والكلاب! والله لقد رأيتُ النبي(ص) يصلي وإني على السرير بينه وبين القِبلة مضطجعة , فتبدو لي الحاجة فأكره أن أجلس فأوذي النبي(ص) فأنسلّ من عند رجليه".
ولكن حتى كلام أم المؤمنين عائشة ليس كافياً لدى عتاة السفليين لردّ الحديث الوارد في الصحيحين! وقد وجدتُ في أحد مواقع السلفيين السعوديين (وهو موقع "المسلم" بإشراف د. ناصر بن سليمان العمر) نقلاً لجواب المفتي الأعظم للسعودية المرحوم ابن باز عندما سئل عن هذا الحديث فأكّده وأثبته ثم أشار الى اعتراض السيدة عائشة عليه فقال "وأما قول عائشة فهو من رأيها واجتهادها، قالت: بئس ما شبهتمونا بالحمير والكلاب، وذكرت أنها كانت تعترض له بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، وهذا ليس بمرور؛ لأن الاعتراض لا يسمى مرورا وقد خفيت عليها رضي الله عنها السنة في ذلك"
أي أن المفتي الأعظم للسلفيين يعتبر أن الحديث صحيحٌ رغم اعتراض ام المؤمنين عائشة عليه, فكيف باعتراضي انا ؟؟!
    
وبعيداً عن الشيخ ابن باز ورأيه , أقول ان هذا " الحديث" يخلق مشكلة حقيقية للباحث المسلم ! إذ كيف يمكن قبولُ هذه الإهانة الصريحة للمراة ؟! وعلى لسان نبيّ الاسلام ؟!
لا مخرج لهذه الإشكالية إلاّ بردّ الحديث , ورفضِهِ جُملة وتفصيلاً. لا يوجد حل وسط هنا : فإمّا أن نقبل بنسبة هذه الاساءة العنصرية القبيحة للمرأة الى النبيّ ( وهذا طبعاً فيه اساءه الى مقام النبيّ ذاته)  وإمّا ان نرفض هذا "الحديث" الوارد في صحيحي البخاري ومسلم.
إمّا أن نُنزّه النبيّ , وإمّا أن ننزّه البخاري !
وأنا أختار أن تنزيه النبيّ (ص) , حتى لو غضب علينا البخاري , ومقدّسو البخاري ,,,,,


الشؤم في ثلاثة : المرأة والفرس والدار... عبادة النصوص ولو خالفت العقل والمنطق وحتى الدين نفسه !

روى الامام البخاري في صحيحه , كتاب الجهاد والسير / باب ما يُذكرُ من شؤم الفرس حديث " انما الشؤم في ثلاثة : في الفرس والمرأة والدار ".
وايضاً روه الامام مسلم في صحيحه بصيغة " الشؤمُ في الدار والمرأة والفرس" ,  كتاب السلام / باب الطيرة والفأل ويكون فيه من الشؤم.
أي أن هذا الحديث قد اتفق عليه الشيخان , وورد في الصحيحين.

وهذا الحديث يطرح إشكالية كبيرة تتعلق بنظرة الاسلام للمرأة . فلا يخفى ما في هذا الحديث من إساءة شنيعة للمرأة حين جعلها من مصادر "الشؤم " ! عدا عن إدراجها في سياق كلامٍ واحدٍ عن الحيوانات والجماد ( الفرس والدار).
ولا يمكن إلاّ لأعمى البصر والبصيرة أن لا يرى تلك الاساءة القبيحة للمرأة والمتضمنة في الكلام المنسوب الى النبي (ص). وحتى أم المؤمنين السيدة عائشة فزِعت عندما سمعت هذا الكلام المنسوب للنبي (ص) وانبرت للتصدي له وتبرئة النبي(ص) من وزر هذا الكلام. فقد روى الامام أحمد بن حنبل في مسنده ( ج6, حديث السيدة عائشة) والحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين (ج2 , تفسير سورة الحديد) , والنص للأول:
 " ان رجلين دخلا على عائشة فقالا : ان أبا هريرة يحدّث ان نبي الله (ص) كان يقول " انما الطيرة في المرأة والدابة والدار"!
قال : فطارت شِقةٌ منها في السماء وشِقةٌ في الارض , فقالت : والذي أنزل القرآن على أبي القاسم , ما هكذا كان يقول . ولكن نبي الله (ص) كان يقول " كان اهل الجاهلية يقولون : الطيرة في المرأة والدار والدابة" . ثم قرأت عائشة {ما أصاب من مصيبة في الارض ولا في أنفسكم إلاّ في كتاب} الى آخر الآية "

والمشكلة هي أن البخاري ومسلم قد صحّحا الكلامَ المنسوب للنبي(ص) واعتمداه ولم يريا فيه إشكالاً , ولذلك هو اليوم موجودٌ في كتابيهما الذين يُفترض أن يكونا صفوة الصحيح من حديث النبي(ص). أي أن علينا أن نتقبل كلاماً يُخبرنا ان المرأة مصدرٌ للشؤم , وأن نصدّق ذلك باعتباره جزءاً من الدين!
والشيخان أعرضا عن اعتراض عائشة وصدمتها من سماع هذا الكلام , " فطارت منها شقة في السماء وشقة في الارض" حسب التعبير القديم, وقررا ان الرواية التي وصلتهما عن غير طريق عائشة أصحّ , رغم أنها ظاهرة الفساد والتهالك, ورغم أنها تتعارض مع آثار اخرى عن النبي(ص) ينهى فيها عن الطيرة ويأمر بتركها .

وقد شعر الشارحُ الأبرز لصحيح البخاري, ابن حجر العسقلاني ( فتح الباري , ج6), بشذوذ الكلام عن شؤم المرأة والمنسوب الى النبي(ص), فذكر تأويلاً له " على ان ذلك سيق لبيان اعتقاد الناس في ذلك, لا انه إخبارٌ من النبي(ص) بثبوت ذلك" , إلاّ انه عاد ليقول ان سياق الاحاديث يُبعد هذا التأويل ومن ثم ليعلن رأي أهل الحديث وهو تصحيح حديث شؤم المرأة وبالتالي تجاهل رأي عائشة واستنكارها.

والخلاصة ايها السيدات والسادة انني ادعو الى التحلي بالجرأة في ردّ هذه النوعية من "الأحاديث النبوية" الشاذة والطافحة بالاساءات التي لا يمكن أن تصدر عن رسول الله (ص), حتى لو رواها البخاري ومسلم عن ابن عمر أو أبي هريرة أو عن غيرهما ,,,,
 ادعو لتحكيم العقل , وعدم التسليم المطلق بالروايات بلا تمحيص ,,,,
 ادعو الى النظر في متن الاحاديث وعدم الاكتفاء بالسند ,,,,,
 لأنني باختصار ضد عبادة النصوص



وختاماً’ هذا نموذج لأحد كبار شيوخ القرن العشرين: من فتاوي المرحوم محمد بن ابراهيم آل الشيخ. ولمن لا يعرف فهو شيخ ابن باز واستاذه وقد شغل منصب رئيس هيئة كبار العلماء والمفتى العام في السعودية لـ 15 سنة. وكلامه هذا مأخوذ من فتاويه المنشورة.
يقول :
وما هي النساء ؟! فإنهنّ لسن أكثر من فراش , واصلاح شؤون المنزل وتربية الصغار. ألا ترى الافرنج ومن أخذوا عنهم حين جعلوا للنساء شيئا كيف وقعوا فيه من الشرور, وجعلوا للمرأة حقوقا وتطالب بحقوقها. هذا من الفساد , وكم جر من الفساد,,,,,




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق