الأربعاء، 6 ديسمبر 2017

لا اجتهاد فيما فيه نص !

فكرة أن " لا اجتهاد فيما فيه نص " هي في الحقيقة من لدن الفقهاء والشيوخ أكثر مما هي من الاسلام ذاته (القرآن والرسول)  . فالأصل في الأحكام الشرعية أنها تراعي مصلحة الناس و ليست جامدة متحجّرة كجلمود الصخر بل هي تراعي تغيّر الظروف والأحوال. وقد جاءت أحكام القرآن متدرجة وكانت تتغير على مدار فترة التنزيل (23 سنة). أي أن كثيرا مما كان ينزله الله من تشريعات كان يغيره بعد فترة من الزمن بسبب تغير الظروف مما يجعل الحكم السابق لاغيا ( الناسخ والمنسوخ) . وكذلك الرسول (ص) كان يغير مواقفه واحكامه كلما اقتضت الضرورة ذلك.
 ولم تكن هناك حساسية كبيرة تجاه فكرة الاجتهاد قبال النصوص الشرعية المحكمة لدى الطبقة الاولى من الصحابة , ومنهم الخليفة عمر بن الخطاب. وسوف اضرب مثالين فقط من اجتهاداته الجريئة قبال نصوص قرآنية محكمة وسنةٍ نبوية صريحة, علماً بأن له المزيد من الاجتهادات ,,,
 اولاً : إلغاء سهم المؤلفة قلوبهم
هناك آية قرآنية صريحة تخصص للمؤلفة قلوبهم سهماً من الزكاة :
 " إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ. فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ".
وهذه الآية ليست منسوخة ولا مقيّدة. بل تدخل ضمن نطاق الاحكام الشرعية المُحكمة.
وطبّق رسول الله(ص) بسنته الفعلية هذه السياسة فكان يعطي هؤلاء الذين دخلوا في الإسلام عن استسلام لا عن قناعة.
وتجمع المصادر الاسلامية على ان عمر بن الخطاب ألغى هذه السياسة وقرر عدم إعطاء المؤلفة قلوبهم, على أساس أن الإسلام أصبح عزيزاً ولا حاجة بالتالي لتأليف قلوب أحد.  والحالة المشهورة التي تتحدث عنها المصادر تتعلق باثنين من زعماء القبائل , عُيينة بن حصن والأقرع بن حابس , ممن كان رسول الله (ص) يعطيهما. رفض عمر أن يعطيهما شيئا وقال لهما " إنما كان النبي(ص) يؤلفكما على الإسلام. فأما الآن فاجهدا جهدكما ". وفي رواية أخرى ان عمر قال لهما " هذا شيء كان رسول اللّه (ص) يعطيكموه ليتألّفكم ، والآن قد أعزّ اللّه الإسلام وأغنى عنكم".
ثانياً : عدم تطبيق حد السرقة في عام الرمادة
وعام الرمادة لمن لا يعرف هو سنة قحطٍ ومحلٍ ومجاعة حصل خلال خلافة عمر. والحادثة مشهورة ولا أعلمُ ان هناك خلافاً بشأنها بين المصادر واهل العلم والفقهاء. وهي تتعلق بغلمان لحاطب بن ابي بلتعة قاموا بسرقة ناقة لرجل من قبيلة مزينة. فلما ضبطوا قرر عمر عدم طبيق حد السرقة – قطع اليد –عليهم بسبب الظروف القاسية التي دفعتهم لارتكاب جريمتهم : الفقر الشديد والجوع . وفي احدى الروايات ان عمر قال " أما والله لولا أني أعلم أنكم تستعملونهم وتجيعونهم -حتى إن أحدهم لو أكل ما حرم الله عليه حل له- لقطعت أيديهم " وفي رواية أخرى ان عمر قال ""لا يقطع في عذق، ولا عام السنة"، والعذق هو: النخلة أو الغصن من النخل فيه ثمره، وعام السنة: المراد بالسنة: الجدب، والقحط، وانقطاع المطر، ويبس الأرض . "
علماً بأن حد السرقة – قطع اليد – جاء في آية محكمة لم يتم نسخها  " وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ "

ماذا نستنتج اذن ؟
لدينا نص شرعيّ محكم , آيات , وغير منسوخ , قرآن وسنة , ومع ذلك لم يرَ عمر بأساً في تجاوزه والتغاضي عنه لأجل المصلحة العامة وبسبب تغير الظروف والاحوال .
اعتبر عمر ان مقاصد الشريعة وغاية الدين أهم وأسمى من ظاهر النص وحرفيته.
لم يعتبر عمر بن الخطاب ان النص القرآني عابرٌ للزمان والمكان , ولم يره منفصلاً عن الواقع , ولم يقل هذه الآية موجودة فعلينا تطبيقها وكفى.
المسألة واضحة كالشمس, ولا ينكر ذلك الاّ مكابر.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق