الجمعة، 15 ديسمبر 2017

قصيدة:( الإنسان الذي يشبهك) للشاعر الكاميروني اندريه فيلومبي


اليومَ أقرع بابك
أَهَزّ أوتار قلبك
أرجو سريراً مريحاً
أُمضي به بعض ليلي
ونار دفءٍ لعلِّي
بها يردّ جَنَاني
برداً يهزُّ كياني
أفتحه.. لا تطردْني
أَعِنْ أخاك فإنِّي
أخوك مِنْ عَهدِ آدمْ
***
افتح، ولا تطرْدني
افتح، ولا تسألني
أأنت إفريقيُّ؟
أم أنت أمريكيُّ؟
أم أنت أوروبيُّ؟
ولا تَسَلني فإنيّ
أخوك مِنْ عَهدِ آدمْ
***
ويا أخي لا تَسَلْني
لِمْ كان أنفي أطولْ؟
ولِمَ فمي هو مُثْقَلْ؟
ولونُ جَلْدِي أسودْ؟
وشعر رأسي مُجَعَّدْ؟
ولا تَسلْني، فإنِي
أخوك مِنْ عَهدِ آدمْ
***
وما أنا بالأسودْ
ولا أنا بالأحمرْ
وما أنا بالأصفرْ
ولا أنا بالأبيضْ
وإنّما إنسانُ
فافتحْ… أنا إنسانُ
***
لا تُغْلِقَنَّ جَنَانَكْ
ولا تُهِنْ إِخوانَكْ
فافتحْ ليَ اليومَ بابَكْ
وافتحْ لقلبيَ قلبكْ
فإنني إنسانْ
إنسانُ كلِّ زمانْ
أخوك… ليسَ الشبيهُ
على الشبيه يَتِيهْ..


أساس معارضة التفجيرات في "بلاد الكفار"


ليست المشكلة في الفروع او التفاصيل , ولا في شذوذ فتوى هنا او  غرابة قولٍ او زلّةٍ لشيخٍ ما ,,, بل هي في أصل منهج السلفية وأساس مذهبهم . وسأضرب مثالاً للتوضيح.
هذا الموقع متخصص في "الدفاع عن علماء المسلمين" كما يقول , وبه مجهودات عظيمة في المنافحة لأجل كبار علماء الوهابية في السعودية , ابن باز وابن عثيمين وبقية اعضاء هيئة كبار العلماء فيها , والرد على من يتهمونهم بأنهم اصل فكر التطرف والقتل والارهاب الذي تستند اليه جماعات القاعدة وداعش وأخواتهما.


وفي هذا السياق نشر سؤالاً ورد الى أحد كبار شيوخهم , صالح الفوزان , وجوابه عليه :



اذن فالشيخ الكبير ينهى عن اعمال الاغتيالات والتفجيرات في بلاد الكفار, ذلك واضح تماما ولا جدال فيه , ولكن على أي أساس ؟!! لم يقل الشيخ ان دماء هؤلاء الناس محرمة ولم يقل انهم بشر معصومون لا يحل قتلهم ولا الاعتداء عليهم ولم يقل ان مبدأ قتلهم ومهاجمتهم مرفوض ولم يقل ان الاسلام ينهى المسلم عن الاعتداء على اخيه الانسان ولم ينطلق من أي ناحية انسانية في كلامه   ,,,, كلا لم يقل اي شيء من ذلك كله وإنما برر معارضته لأعمال القتل والتفجير في " بلاد الكفار " على أساس الضرر الذي ينتج عنها , وأنها ستسبب الأذى للمسلمين وتجعلهم يتعرضون للانتقام والتشريد.
 أي أن الشيخ يقول لو كانت الظروف مختلفة فلا بأس . لو كانت ظروف المسلمين تسمح فعندها نقوم بغزو "الكفار" وقتالهم . المسألة اذن مسألة شروط تتحقق او لا تتحقق. لو امتلك المسلمون القوة الكافية وكانوا تحت قيادة سلطانٍ مسلم مقتدر يرفع راية الاسلام فعند ذلك لا بأس.
وهكذا يصبح الخلاف مع داعش والقاعدة خلافاً في الفروع ويتحول الى نقاش فقهيّ : هل تحققت الشروط ام لم تتحقق ؟ هل نمتلك القوة الكافية ام لا ؟ هل إمامنا شرعيّ طاعته واجبة ام لا ؟  
    ويصير الأمر كله أبعد ما يكون عن الأصل : القتل فعلٌ قبيح وجريمة شنيعة سواء كانت بحق المسلمين او بحق غيرهم من البشر "الكفار عندهم " , والعدوان على الاخرين ظلمٌ وفعلٌ لا أخلاقيّ حتى لو أطلق عليه " جهاد ".


وما دام شيوخ السلفية هكذا وفكرهم هكذا,,, فلا أمل ,,, لا أمل ما دام أمثال هؤلاء هم المرجعية الفكرية والدينية في بلادنا . سنظل ننتج دواعش جددا , جيلا بعد جيل . 

الفتوى الشرعية المدفوعة الأجر


بالنسبة الى الفتوى الشرعية حين تصدر من شحص يشتغل بالأجر ويقبض راتباً ,,,, أنظر بشكّ وريبة كبيرة اليها مهما كانت مكانة الشخص الذي أطلقها , حتى لو كان من أكبر " العلماء" او أشهرهم!
فعندي أن الفتوى الشرعية لا بد أن تكون صادرة من ضمير صادق متجرّد من المصالح المادية حتى يمكن قبولها.
ومن الطبيعي أن الذي يقبض أجراً لا بد أن يراعي مصالح الذي يدفع له , وهذا بديهي وأكيد. وبالتالي فإن الفتوى الشرعية حتى لو صدرت من اكبر الشيوخ وأشهر الفقهاء تصبح مشبوهة ومحل شك ولا يجوز الأخذ بها اذا كان موضوعها له علاقة من قريب او بعيد بالذي يدفع او بمصالحه.
وهذا ينطبق على كل المفتين الرسميين في الدول العربية , وبالأخص على " المستشارين الشرعيين " لــ " البنوك الاسلامية "
   

بل إكراهٌ في الدين !



هناك عدة آيات قرآنية صريحة تتحدث عن حرية المعتقد والفكر للانسان وحقه في الاختيار. ولعلّ أشهرها " لا إكراه في الدين . قد تبيّن الرّشد من الغيّ ".
ويحتار الانسان احياناً بشأن المسوّغ الشرعي الذي يجعل جماعة مثل داعش تتجاهل آية صريحة مثل هذه وتقوم بإجبار الناس الذين تحت سيطرتها على العبادات وغيرها كثير من الأمور الدينية. 
وعند التمعّن في الامر يظهر لنا مرة أخرى شيخ الاسلام ابن تيمية !
فهذا نص ما قاله ابن تيمية ( مجموع الفتاوى, طبعة دار الوفاء , ج8 ص275): 
 " والاكراهُ قد يكون اكراهاً بحق , وقد يكون اكراهاً بباطل.
فالأول كإكراه من امتنع من الواجبات على فعلها , مثل اكراه الكافر  الحربي على الاسلام , أو أداء الجزية عن يد وهم صاغرون , واكراه المرتد على العود الى الاسلام , واكراه من أسلم على إقام الصلاة وايتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت,,,, "
ويتابع شيخ الاسلام كلامه:
" وأما الاكراه بغير حق : فمثل إكراه الانسان على الكفر والمعاصي, وهذا الإجبار الذي هو الإكراه الذي يفعله العباد بعضهم مع بعض ,,, "

ماذا يعني ذلك ؟ ببساطة ابن تيمية يقول لنا ان " لا اكراه في الدين " تعني في الحقيقة " لا إكراه على ترك الدين " ! نعم , أي انه عكس المعنى الواضح للآية تماماً. وبالتالي فإن إكراه الناس على الصلاة بل وعلى الاسلام ذاته لا يدخل ضمن الاكراه الذي تنهى عنه الآية , بل هو إكراهٌ حميد !

وهو بالمناسبة ذات ما تقوم به " هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر " في السعودية , وإن كان بشكل أخف قليلا , فهم نفس المذهب ويرجعون لنفس المصدر الفقهي

الخطاب السلفي والكراهية


من أسوأ معالم الخطاب السلفي المعاصر هو خلوّه التام من البُعد الانساني الجامع للبشر واقتصاره على " المسلمين " . فمن يقرأ في أدبيات السلفيين وكتاباتهم سيصله الانطباع ان النواحي الايجابية في الاسلام , من رحمةٍ وتعاطفٍ ومحبة وإحسانٍ ,,,,, كل ذلك يقتصر على " المسلمين " وحدهم من دون البشر ! بل وأسوأ : سيجد ان القاعدة عند هؤلاء هي الكراهية والبغض للآخر كائنا من كان ذلك الآخر , لا لسببٍ يتعلق بسوء الخلق أو العدوان أو غير ذلك من مسببات الكراهية بل لمجرد اختلاف العقيدة! شيء قبيح يشبه عنصرية النازيين ولكن في ثوب ديني .
والشيخ الكبير ابن عثيمين عندما سئل عن حسن التعامل مع غير المسلمين أجاب : (لا شك ان المسلم يجب عليه أن يبغض أعداء الله ويتبرّأ منهم , لأن هذه هي طريقة الرسل وأتباعهم,,, وعلى هذا لا يحل لمسلم أن يقع في قلبه محبة و مودة لأعداء الله) ثم أضاف ( أما كون المسلم يعاملهم بالرفق واللين طمعا في اسلامهم وايمانهم فهذا لا بأس به , لأنه من باب التأليف على الاسلام , ولكن اذا يئس منهم عاملهم بما يستحقون ان يعاملهم به ).
اذن المعاملة بالحسنى وبالرفق واللين تكون فقط في حالة الطمع في اسلامهم , وإلاّ فعلى المسلم أن يعاملهم بما يستحقون !! وكلهم اعداء الله لأنهم ليسوا مسلمين. 


والصهاينة وعتاة اليمين الامريكي الذين يتهمون الاسلام بأنه " دين الكراهية " لا ينطلقون من فراغ. بل لديهم ذخيرة كبيرة وحقيقية من خطابات كهذه. هم يقولون لمن يجادلونهم : تفضلوا واقرأوا ما يقوله شيوخ الاسلام , ثم احكموا بأنفسكم

تزويج القاصرات ,,, والمفتي الوهابي



على خلفية التصريحات التي صدرت قبل فترة عن مفتي السعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ بشأن تزويج البنات الصغيرات وأن ذلك حلال ولا إشكال فيه ,, أقول :
ان موقف الشيخ ليس غريبا ولا جديدا , بل هو منسجم تماما مع مذهبه ومع ما هو متعارف عليه بين شيوخ الاسلام التقليديين عبر التاريخ الذين يرفضون وضع حد أدنى لسن تزويج الفتيات ويجعلون الشرط الوحيد لشرعية الزواج هو ان تكون البنت " تطيق الوطء "  ! نعم شرط الفقهاء الوحيد هو أن يكون جسم الفتاة يحتمل العملية الجنسية بلا أضرار مادية عليها وبغض النظر عن عمرها.
والفقهاء يستندون طبعا الى حديث السيدة عائشة في صحيح البخاري الذي يقول ان النبي (ص) خطبها وهي بعمر ست ودخل بها وهي بعمر تسع .
وقد سبق لي أن ناقشتُ ذلك الحديث بالتفصيل من ناحية المتن والسند فلن أعيد , ولكني أقول :
المسلمُ الذي يؤمن بتقديم النقل على العقل , وبأن النص الشرعي الذي صحّحه القدماء يجب بالضرورة تصديقه واعتماده والأخذ به بحرفيته , وبأن لا مكان للعقل في الدين ,,,,, ذلك المسلمُ لا مناص له من التسليم بأن تزوج الطفلات الصغيرات من رجالٍ كبارٍ في زماننا هو حلال 100% ولا غبار عليه
لا مهرب ولا مجال للمراوغة , من كان يرفض استخدام العقل ويعتبر النص الموروث صنماً لا يجوز كسره فعليه أن يقبل تزويج ابنة 10 أو حتى 6 سنين , ولا يحق له الاعتراض ولا الاستنكار


وكلام الشيخ واضح

الأربعاء، 13 ديسمبر 2017

كلام صريح جدا : الاسلام والمرأة


الكثيرون من بيننا يتحمّسون كثيراً في دفاعهم عن الاسلام تجاه ما يُثار من شبهاتٍ ضده, وبالذات فيما يتعلق بموقف الاسلام من المرأة ونظرته لها. ويأخذ الحماسُ مداه مع البعض منا فيبدأ بكيل الاتهامات , بل والشتائم , للخصوم ,,, فيعتبرهم مُغرضين كذابين يكيلون تهماً لا أساس لها للاسلام الذي كرّم المرأة وأجلّها ورفع قدرها وأعطاها حقوقها كاملة وما تستحق من مكانةٍ تليق بإنسانيتها والتي لا تقل شأناً عن أخيها الرجل,,,,
ويقول المتحمّسون من بيننا : ان غاية ما هناك ان الاسلام طلب من المرأة الاحتشام في المظهر والسلوك وأن لباسها يجب ان يسترها تماما حفظا لها من أعين الرجال  الغرباء الطامعين في عرضها وشرفها., ولكن ذلك لا يُرضي الحاقدين المُغرضين الذين يلفقون التهم للاسلام العظيم لأنهم لا يحبون العفاف ويدعون الى الفجور والاباحية,,,,,

فهل الأمر كذلك؟ هل الاسلام بريء تماماً من تهمة الاساءة الى المرأة ؟؟ هل مشكلة الاسلام , ببساطة,  أنه دعا الى العفاف ؟  أم أن تهم المُغرضين لها أساس من الصحة؟
البحث العلمي والموضوعي يفيدنا : نعم , للأسف , هناك أساس للتهم التي يوجّهها الكارهون للاسلام بشأن المرأة. هناك نصوص دينية قوية فيها اساءة لا يمكن قبولها ولا تبريرها بحق المرأة.
هذه مشكلة حقيقية وموجودة , وعلينا الاقرار بها والتعامل معها , ولا يفيد التهرّب منها على طريقة النعامة ودفن الرأس في الرمال.

وسوف أتناول فيما يلي مثالين صارخين لتوضيح ذلك, ومن ثم موقفٌ لأحد كبار شيوخ زماننا,,,,, فإلى هناك


وقفة مع حديث ( يقطعُ الصلاةَ المرأةُ والحمارُ والكلبُ )

هذا الحديث ورد في الصحيحين , البخاري ومسلم, وهو بالتالي يتمتع بدرجة عالية من الصدقية عند الشيوخ التقليديين وغيرهم ممن يُضفون هالة من التقديس على كل ما رواه البخاري ومسلم من أحاديث, بل هو مقبولٌ لديهم ومُعتمد, ومقطوعٌ بصحته.
وقد جاء الحديث بعدة صياغاتٍ لفظية , لا تبعدُ كثيراً عن بعضها البعض . وأنا هنا أنقل نصّه من صحيح مسلم الذي بين يديّ الآن ( كتاب الصلاة / باب قدر ما يستر المصلي, المكتبة العصرية للطباعة والنشر , صيدا / بيروت, طبعة 2003):
عن أبي هريرة قال رسول الله (ص) " يقطعُ الصلاةَ المرأةُ والحمارُ والكلبُ , ويقي ذلك مِثلُ مؤخرةِ الرّحلِ ".
إذن نص الحديث واضحٌ وصريح, وهو يقرن المرأة بالكلب والحمار. وفي ذلك إساءة – وأيّ إساءة – للمرأة. بل تحقيرٌ لها وحطّ من قيمتها كإنسانة. هذا لا جدال فيه , وكل من يفهمُ العربية سيخرج بذات الاستنتاج. كما انّ صراحة النصّ تجعل من غير الممكن ترقيعُ الحديث أو تزويقه. "المرأة والحمارُ والكلبُ" هكذا بكل فجاجة صارخة, فلا تنفعُ معها محاولات التصليح,,,
وحتى أم المؤمنين السيدة عائشة هالها ما سمعته من إهانةٍ لكل النساء في هذا النص فانبرت لمعارضة هذا "الحديث" وحاولت ردّه وإظهار بطلانه. وفيما يلي نقلٌ من صحيح البخاري ( باب من قال لا يقطع الصلاة شيء, طبعة دار الجيل / بيروت) " عن مسروق عن عائشة , ذُكِرَ عندها ما يقطعُ الصلاة الكلبُ والحمارُ والمرأة, فقالت : شبّهتمونا بالحُمرِ والكلاب! والله لقد رأيتُ النبي(ص) يصلي وإني على السرير بينه وبين القِبلة مضطجعة , فتبدو لي الحاجة فأكره أن أجلس فأوذي النبي(ص) فأنسلّ من عند رجليه".
ولكن حتى كلام أم المؤمنين عائشة ليس كافياً لدى عتاة السفليين لردّ الحديث الوارد في الصحيحين! وقد وجدتُ في أحد مواقع السلفيين السعوديين (وهو موقع "المسلم" بإشراف د. ناصر بن سليمان العمر) نقلاً لجواب المفتي الأعظم للسعودية المرحوم ابن باز عندما سئل عن هذا الحديث فأكّده وأثبته ثم أشار الى اعتراض السيدة عائشة عليه فقال "وأما قول عائشة فهو من رأيها واجتهادها، قالت: بئس ما شبهتمونا بالحمير والكلاب، وذكرت أنها كانت تعترض له بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، وهذا ليس بمرور؛ لأن الاعتراض لا يسمى مرورا وقد خفيت عليها رضي الله عنها السنة في ذلك"
أي أن المفتي الأعظم للسلفيين يعتبر أن الحديث صحيحٌ رغم اعتراض ام المؤمنين عائشة عليه, فكيف باعتراضي انا ؟؟!
    
وبعيداً عن الشيخ ابن باز ورأيه , أقول ان هذا " الحديث" يخلق مشكلة حقيقية للباحث المسلم ! إذ كيف يمكن قبولُ هذه الإهانة الصريحة للمراة ؟! وعلى لسان نبيّ الاسلام ؟!
لا مخرج لهذه الإشكالية إلاّ بردّ الحديث , ورفضِهِ جُملة وتفصيلاً. لا يوجد حل وسط هنا : فإمّا أن نقبل بنسبة هذه الاساءة العنصرية القبيحة للمرأة الى النبيّ ( وهذا طبعاً فيه اساءه الى مقام النبيّ ذاته)  وإمّا ان نرفض هذا "الحديث" الوارد في صحيحي البخاري ومسلم.
إمّا أن نُنزّه النبيّ , وإمّا أن ننزّه البخاري !
وأنا أختار أن تنزيه النبيّ (ص) , حتى لو غضب علينا البخاري , ومقدّسو البخاري ,,,,,


الشؤم في ثلاثة : المرأة والفرس والدار... عبادة النصوص ولو خالفت العقل والمنطق وحتى الدين نفسه !

روى الامام البخاري في صحيحه , كتاب الجهاد والسير / باب ما يُذكرُ من شؤم الفرس حديث " انما الشؤم في ثلاثة : في الفرس والمرأة والدار ".
وايضاً روه الامام مسلم في صحيحه بصيغة " الشؤمُ في الدار والمرأة والفرس" ,  كتاب السلام / باب الطيرة والفأل ويكون فيه من الشؤم.
أي أن هذا الحديث قد اتفق عليه الشيخان , وورد في الصحيحين.

وهذا الحديث يطرح إشكالية كبيرة تتعلق بنظرة الاسلام للمرأة . فلا يخفى ما في هذا الحديث من إساءة شنيعة للمرأة حين جعلها من مصادر "الشؤم " ! عدا عن إدراجها في سياق كلامٍ واحدٍ عن الحيوانات والجماد ( الفرس والدار).
ولا يمكن إلاّ لأعمى البصر والبصيرة أن لا يرى تلك الاساءة القبيحة للمرأة والمتضمنة في الكلام المنسوب الى النبي (ص). وحتى أم المؤمنين السيدة عائشة فزِعت عندما سمعت هذا الكلام المنسوب للنبي (ص) وانبرت للتصدي له وتبرئة النبي(ص) من وزر هذا الكلام. فقد روى الامام أحمد بن حنبل في مسنده ( ج6, حديث السيدة عائشة) والحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين (ج2 , تفسير سورة الحديد) , والنص للأول:
 " ان رجلين دخلا على عائشة فقالا : ان أبا هريرة يحدّث ان نبي الله (ص) كان يقول " انما الطيرة في المرأة والدابة والدار"!
قال : فطارت شِقةٌ منها في السماء وشِقةٌ في الارض , فقالت : والذي أنزل القرآن على أبي القاسم , ما هكذا كان يقول . ولكن نبي الله (ص) كان يقول " كان اهل الجاهلية يقولون : الطيرة في المرأة والدار والدابة" . ثم قرأت عائشة {ما أصاب من مصيبة في الارض ولا في أنفسكم إلاّ في كتاب} الى آخر الآية "

والمشكلة هي أن البخاري ومسلم قد صحّحا الكلامَ المنسوب للنبي(ص) واعتمداه ولم يريا فيه إشكالاً , ولذلك هو اليوم موجودٌ في كتابيهما الذين يُفترض أن يكونا صفوة الصحيح من حديث النبي(ص). أي أن علينا أن نتقبل كلاماً يُخبرنا ان المرأة مصدرٌ للشؤم , وأن نصدّق ذلك باعتباره جزءاً من الدين!
والشيخان أعرضا عن اعتراض عائشة وصدمتها من سماع هذا الكلام , " فطارت منها شقة في السماء وشقة في الارض" حسب التعبير القديم, وقررا ان الرواية التي وصلتهما عن غير طريق عائشة أصحّ , رغم أنها ظاهرة الفساد والتهالك, ورغم أنها تتعارض مع آثار اخرى عن النبي(ص) ينهى فيها عن الطيرة ويأمر بتركها .

وقد شعر الشارحُ الأبرز لصحيح البخاري, ابن حجر العسقلاني ( فتح الباري , ج6), بشذوذ الكلام عن شؤم المرأة والمنسوب الى النبي(ص), فذكر تأويلاً له " على ان ذلك سيق لبيان اعتقاد الناس في ذلك, لا انه إخبارٌ من النبي(ص) بثبوت ذلك" , إلاّ انه عاد ليقول ان سياق الاحاديث يُبعد هذا التأويل ومن ثم ليعلن رأي أهل الحديث وهو تصحيح حديث شؤم المرأة وبالتالي تجاهل رأي عائشة واستنكارها.

والخلاصة ايها السيدات والسادة انني ادعو الى التحلي بالجرأة في ردّ هذه النوعية من "الأحاديث النبوية" الشاذة والطافحة بالاساءات التي لا يمكن أن تصدر عن رسول الله (ص), حتى لو رواها البخاري ومسلم عن ابن عمر أو أبي هريرة أو عن غيرهما ,,,,
 ادعو لتحكيم العقل , وعدم التسليم المطلق بالروايات بلا تمحيص ,,,,
 ادعو الى النظر في متن الاحاديث وعدم الاكتفاء بالسند ,,,,,
 لأنني باختصار ضد عبادة النصوص



وختاماً’ هذا نموذج لأحد كبار شيوخ القرن العشرين: من فتاوي المرحوم محمد بن ابراهيم آل الشيخ. ولمن لا يعرف فهو شيخ ابن باز واستاذه وقد شغل منصب رئيس هيئة كبار العلماء والمفتى العام في السعودية لـ 15 سنة. وكلامه هذا مأخوذ من فتاويه المنشورة.
يقول :
وما هي النساء ؟! فإنهنّ لسن أكثر من فراش , واصلاح شؤون المنزل وتربية الصغار. ألا ترى الافرنج ومن أخذوا عنهم حين جعلوا للنساء شيئا كيف وقعوا فيه من الشرور, وجعلوا للمرأة حقوقا وتطالب بحقوقها. هذا من الفساد , وكم جر من الفساد,,,,,




كاريكاتير معبّر


فقه التترّس




العمليات الدموية الفظيعة التي تقوم بها تنظيمات القاعدة وداعش واخواتهما في الفنادق والاسواق والمقاهي والدوائر الحكومية والمساجد وبيوت العزاء وغيرها, والتي تؤدي الى قتل أناس ابرياء , مسلمين عاديين مسالمين لا ناقة لهم ولا جمل في المشاكل السياسية الحاصلة ولا علاقة لهم بالاعداء من قريب ولا بعيد,,, كلها وجميعها تستند في أصلها الشرعي الى ما يُمكن تسميته بـ " فقه التترّس " في الاسلام. وملخص هذا الفقه الذي شرحه الشيخ ابن تيمية باستفاضةٍ وتوسّع انه يجوز "عند الضرورة" قتل بعض المسلمين الابرياء في سبيل مصلحة اكبر تتعلق بالاسلام والمسلمين. وخاصة اذا كان العدوّ يتخذ من هؤلاء المسلمين الابرياء ترْساً يقيه من ضربات المجاهدين فلا بأس من قتلهم معه ! أي ان المصلحة الكبرى (قتال العدو)  تبرّر المفسدة الأصغر ( قتل البريء).
فحسب هذا الفقه : يجوز قتل المسلمين الابرياء اذا اقتضت ضرورات الجهاد ذلك. والضحايا سيبعثون يوم القيامة على نياتهم وحسابهم عند ربهم.
ولذلك : لاتشعر القاعدة وأخواتها بأي نوع من تأنيب الضمير,,, لأن الضحايا حسابهم عند ربهم الذي سيعوضهم خيراً إن كانوا ابرياء!


الثلاثاء، 12 ديسمبر 2017

" الاعجاز العددي" في القرآن

  لم يتطرق أبداً عمالقة تفسير القرآن وعلومه ولا الأئمة الكبار في تاريخنا الى قصص العدّ والارقام هذه , ومن شاء فليراجع تفسير الطبري أو السيوطي أو الفخر الرازي أو القرطبي أو ابن كثير أو الشوكاني ,,,, فلن يجد من قصص الاحصائيات وألغاز الأرقام شيئا. فهؤلاء العلماء الكبار ركّزوا جهودهم على الشرح والمعاني والمضمون وتركوا القشور والتنطّع.    
وانا الآن بين يديّ الكتاب المشهور (إعجاز القرآن) للقاضي أبي بكر الباقلاني – الذي عاش قبل حوالي الف سنة. وهو يتكلم فيه عن بديع نظم القرآن وفرادته وروعة تأليفه وعجائب معانيه ودلالاته المُحكمة ,,,,,, بعيداً عن الجمع والطرح وسفسطات الأرقام.

اما في ايامنا فهناك فئة من المسلمين يُصرّون على قصة " الاعجاز الرقمي" في القرآن , فيقضون وقتهم منهمكين في العدّ والحساب , والتنقيب عن ألألفاظٍ وترتيبها, والضرب والقسمة, ويتعاملون مع القرآن الكريم وكأنه كتابُ حروفٍ وارقام, وأحاجي وألغاز, وكلمات متناظرات ,,,,, أسألهم :
ما هي النظرية من وراء عملكم هذا ؟ الى اين تريدون ان تصلوا ؟
هل هناك أي عيبٍ في عدم احتواء القرآن على معجزات الأرقام تلك التي تزعمونها؟ أم أن القرآن لا يكون قرآناً إلاّ بها؟!
هل القرآن يعاني من نقصٍ ما فتحاولون انتم تغطيته وإكماله ؟!

ثم ما هي ابداعاتكم هذه ؟ سأعطيكم مثالاً من عندي :
خذ 10 آيات من احدى سور القرآن , ثم عدّ كلماتها , واجمع حروفها بعد حذف ال التعريف , واقسم عدد الحروف على الكلمات بعد طرح عدد 2 , ثم خذ لوغاريتم الجذر التربيعي للناتج , واضربه في 6 , سيكون الناتج 114  , وهو عدد سور القرآن   ,,,,,,,,,,,,,,,, فسبحان الله على هذه المعجزة الباهرة!

وختاماً اقول لهؤلاء : أوقفوا خدماتكم هذه مشكورين ,,,, وكفّوا عن هذا العبث رجاءً

اتّباعُ السلفيين لابن تيمية


لو قلتَ للسلفيين : انكم أتباعُ ابن تيمية فسيردون عليك ويقولون كلا , بل نحن نتبع فقط اللهَ ورسولَه ومرجعنا الوحيد هو الكتابُ والسنّة , وأما ابن تيمية رحمه الله فهو عالمٌ كبير ولكنه بشر يصيبُ ويخطئ ونحن لا نتبع الرجال بل الحق من عند ربنا!
ولأغراض النقاش أقول: ان الحديث عن (اتباع الله ورسوله ) هو كلام نظري وعام, وهو لا يميز فرقة من المسلمين عن غيرها.
وأما الحقيقة فهي ان السلفيين هم أتباعُ ابن تيمية, بالكلمة والحرف, ولا يحيدون عن أقواله قيد أنملة. فهم يوالونه بشكل مطلق وكلامُه عند شيوخهم حُجّة بذاته, ويرفعون مكانته الى عنان السماء حتى ليكادون يقدّسونه! فهو مرجعهم وإليه تُردّ الأمورُ وكلامُه لا يُعلى عليه. وهذا الكلام ينطبق على السلفيين بأنواعهم , المجاهدين منهم والقاعدين , المتمرّدين على الحكام منهم والمطيعين, الأحياء منهم والميّتين.
ورغم أن ابن تيمية له آلاف , أو ربما عشرات الآلاف, من الفتاوى والآراء والأفكار والمواقف ,,,, رغم ذلك كله إلاّ أننا لا نجد السلفيين يخالفونه ولو حتى في رأي واحدٍ أو موقف ! فماذا نسمي ذلك ؟
دلّونا أيها السلفيّون على رأيٍ واحد , واحد فقط , خالف فيه شيوخكم ابنَ تيمية ؟


خلاصة الأمر: كلامُ السلفيين عن اتباع الله ورسوله معناه العملي والحقيقي هو اتباعُ ابن تيمية , لا أكثر ولا أقل! 

كتاب (النعيم الجنسي لأهل الجنة )


يحتار الانسان كيف يصنّف هذا النوع من الكتب والمؤلفات ؟! هل هي :
_ من فئة الكتب الدينية ؟
_ أم من فئة كتب الاثارة والبورنو ؟
_ أم من كتب الخيال العلمي ؟
ثم كيف يستطيع المؤلف الوصول الى تلك المعلومات التفصيلية ؟ هل لديه  خاصة لا يعلمها أحد تربطه مباشرة بالدار الآخرة وما يجري فيها من علاقات حميمة بين الحور العين وازواجهن ؟
ودار النشر , ما هدفها يا ترى:
_ نشر الوعي والثقافة والتنوير ؟
_ أم تقديم ذخيرة لتجنيد المزيد من "المجاهدين" لداعش ؟
_ أم الفلوس فقط ؟

هل النار هي مصير غير المسلم ؟!

 الاعتقاد الشائع الذي يروجه دعاة السلفية وكثير من الفقهاء التقليديين , وهو أن أي انسان غير مسلم في هذا الكون سيكون مصيره جهنم وبئس المصير ,,,, هو باختصار شديد : غير صحيح.
وهم طبعا يستندون في قولهم هذا الى آيات قرآنية منها (ومن يبتغِ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) وكذلك ( ان الدين عند الله الاسلام).
ولكن هذا استدلال خاطئ ومنقوص. فحتى ينطبق معنى الآية هناك شيء اسمه : إقامة الحُجة . بمعنى أن الذي وصلته رسالة الاسلام كاملة وافية , بالأدلة والبراهين , وفهمها بلا لبس ولا شبهة , وأُجيب على تساؤلاته وشكوكه ومن بعد ذلك كله اختار الجحود والنكران فسيكون خاسراً يوم القيامة ,,,, هذا ما تعنيه الآية.
أما أن يكون شخص عادي في أرياف الصين , او قرى المكسيك , او أدغال الأمازون , او مجاهيل افريقيا ,,,, لم يسمع بالاسلام اصلا ثم نحكم عليه بجهنم وسوء المصير ؟! هذا لا يجوز لا عقلا ولا شرعا. وحتى لو كان أحدٌ سمع بأن هناك دينا اسمه الاسلام عبر التفزيون او الصحف او من خلال اصدقاء ,,,, الخ فذلك ليس كافيا لإصدار مثل هذا الحكم عليه . فهو لم يتعمق ولم يعرف شيئا يذكر , فلا تكون مجرد المعرفة السطحية او السماع حجة عليه يُحاسبُ لأجلها.


والخلاصة : لسنا وحدنا أهلُ الجنة , وليس غيرنا بالضرورة من أهل النار 

الاثنين، 11 ديسمبر 2017

الامام الغزالي , وتهافت الفلاسفة !



( مَنْ لم يشُكّ لم ينظُرْ، ومَنْ لم ينظُر لم يُبصِرْ، ومَنْ لم يبْصِرْ بقي في العمى والضلالة )

هذه من اروع العبارات , وأحكمها , وأكثرها صدقاً ونفعاً للانسان , في كل مكان وزمان
ولكن العَجب , كل العجَب, أن قائلها هو الامام ابو حامد الغزالي (المتوفي سنة 505 للهجرة) صاحب الكتاب المشهور ( إحياء علوم الدين ) وغيره الكثير من الكتب التي نالت الكثير من القبول والرضا من عامة أهل الاسلام.

وأما لماذا العَجَب ؟! فذاك أمرٌ بحاجة الى ( بوست ) مستقل ,,,,,

**********
,,,, فالامام ابو حامد الغزالي, الذي اعتبر ان عليه مهمة التصدّي للدفاع عن الاسلام تجاه الضلّال والمنحرفين ولإعلاء مذهب اهل السنة بين المسلمين , ألّف كتاباً أسماه " تهافت الفلاسفة " خصّصه للهجوم على الفلاسفة وأهل الحكمة والنظر والكلام ممن لا ينسجمون مع المذهب الرسمي السائد.
وقد ذهب في كتابه الى حدود الشطط والغلوّ في هجومه على العقل والعقلاء. ففي معرض محاججته لإنكار دور العقل في الدين والايمان وصل الى درجة نفي مبدأ العلّيّة ! نعم , لقد أنكر الامام الغزالي المبدأ البديهي الذي لا يماري فيه الاّ مكابر وهو ان المقدمات تؤدي الى النتائج وان العلّة تؤدي الى المعلول.  وأن هناك علاقة تلازم بين الاسباب والمسببات.
ولنترك الكلام للغزالي وهو يضرب الأمثال للقارئ " الاقتران بين ما يعتقد في العادة سببا وما يعتقد مسبباً ليس ضروريا عندنا. فليس من ضرورة وجود أحدهما وجود الآخر ولا من ضرورة عدم أحدهما عدم الآخر. مثل الريّ والشرب, والشبع والأكل, والاحتراق والنار, والنور وطلوع الشمس, والموت وجز الرقبة, والشفاء وشرب الدواء,,,,,, وان اقترانها  انما هو لما سبق من تقدير الله سبحانه لخلقها على التساوق لا لكونها ضروريا في نفسه".
ثم يوضّح أكثر " بل في المقدرور خلق الشبع دون الأكل وخلق الموت دون جز الرقبة  وإدامة الحياة مع جز الرقبة ". فبالنسبة للغزالي : من قال ان النار هي سبب للاحتراق ؟! كلا انما هو الله الفاعل الوحيد . كل شيء في هذا الكون يفعله الله , بإرادته , وأما ما نتوهمه من اسباب طبيعية للحوادث فهو مجرد " اقتران " للأحداث التي يخلقها الله , أي ضربٌ من "العادة" لا أكثر.
**********
وختاما بشأن الامام ابي حامد الغزالي , أرغب في إثارة الاشكالية الكبيرة والظاهرة في تناقض قوله السابق بخصوص ضرورة الشك وإعمال الفكر وعدم الانقياد والتسليم وبين كلامه الآخر تماما في (تهافت الفلاسفة).
فهل يمكن ان يصدر القولان المتناقضان من رجل واحد ؟ وبعبارة أخرى : ايهما الغزالي الحقيقي : الداعي للشك والتفكير , أم عدو العقل والفلسفة ؟
والجواب عندي : مر الرجل بتحوّلات وتقلبات فكرية مختلفة بمراحل حياته المتتالية (فلسفة , تصوّف,,, ) . وبالتالي صدر منه الكلام المتناقض كما رأينا. ولكن المؤكد أنه استقر أخيراً على ما بكتابه (احياء علوم الدين) ونبذ الفكر والفلسفة والتصوّف وقعد مستقراً في أحضان المذهب الرسمي السائد,,,,,  وبالتالي كان لا بد من (تهافت الفلاسفة).


وعلى كل حال فإن الفلاسفة لم يكونوا عاجزين عن الرد عليه وتفنيد آرائه وهجماته عليهم. وبالفعل تصدّى له فيلسوف ذلك الزمان , ابن رشد العظيم , وبيّن تهافت منطقه وضعف جحته ورد عليه ردا ناجزاً في ( تهافت التهافت ),,,,,,

الخطاب القرآني الموجه لمستويات مختلفة من البشر : نعيم الجنة وصفات الله




من أهم مزايا القرآن الكريم التي تجعله مميزا فريداً خالداً ومختلفاً عما سواه , هو قدرته العجيبة والمذهلة على مخاطبة فئات مختلفة من البشر , ومستويات فكرية متنوعة , وقدرات عقلية متباينة,,,, كلهم يخاطبهم القرآن بما يناسبهم ويتلاءم مع مستوياتهم المختلفة . فالقرآن خاطب الانسانَ البسيط , والبدويّ في الصحراء, والفقيرَ والجائع , والتاجرَ الثريّ في المدينة ,,,,,,, كما خاطبَ المفكّرَ المتأمّل , والحكيمَ الفيسلوف, والعبقريّ النابغ
نعم خاطب كل هؤلاء , وتواصل معهم ,وفهمهم وفهموه بشكل جعله يدوم ويدوم على مدار الأزمان والأجيال .
وسأضرب مثالين على ذلك .
المثال الاول : وصف الجنة .
فالعديدُ من الآيات تتحدث عن أنهار اللبن والعسل , وعن الحور العين البيض الجميلات , وعن الارائك والأسرّة ,,,, وغير ذلك من مُتع جسدية تتعلق بالطعام والشراب واللباس والجنس. وهذا كما لا يخفى يجذبُ نوعاً من البشر البسطاء الذين يُناسب مستواهم ذلك النوع من " النعيم " ويرونه غاية المنى مما لا يُرامُ بعده.
ولكننا نجد آية أخرى تخاطب نوعا آخر من البشر وتقول لهم عن الجنة (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى. وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى) وهذا ينفي كل قصة المُتع المادية التي سبق ذكرها . فلا جوع في الجنة وبالتالي لا حاجة للطعام والشراب , ولا حاجة للباس ولا للسكن وللقصور ,,,,, الخ فكل ذلك انما ذكر من باب مخاطبة الناس الذين لا يمكن ان يتصوروا جنة بدون ما يرونه في حياتهم التي يعيشونها من نعيم لا يتخيلون جنة بدونه.
أما ذوو المواهب والعقول والهمم العاليات الذين لا تعنيهم كل تلك الامور فيقول لهم على لسان الرسول : (فيها ما عينٌ رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ) وكفى , بلا تفصيل , ولا خمر وعسل , لكي تسمو نفوسهم الى ذلك النوع الأرقى والأرفع من المُتع : مُتع الروح والعقل , والابداع , والاخلاق , والفن والفكر .
فالكل يفهم مُتع الجنة بطريقته , وبما يناسب عقله ومستواه ,,,, والكل سعيدٌ بما فهمه ,,, والكل له سندٌ من كتاب الله
*******
والمثال الثاني على قدرة القرآن الكريم على مخاطبة البشر بمستوياتهم العقلية والفكرية المختلفة هو موضوع : صفات الله .
فتجد العديد من الآيات التي تتحدث عن الله وكأنه شخصٌ جبارٌ أو ملِكٌ عظيمٌ يجلسُ على عرشٍ في أعلى السماوات , وله جسمٌ وأعضاء كالانسان ( يد , وجه , عين ) , ويتحرك , ويتكلم , ويمكن للبشر رؤيته يوم القيامة ,,,,, ولا يخفى أن هذا النوع من التوصيف لله يناسب فئة من الناس ممن يمتازون بالبساطة وبتواضع مستواهم الفكري , فيحتاجون الى تخيّل معين أو تصوّر في أدمغتهم لخالق الكون , ويصعب عليهم استيعاب فكرة التنزيه المطلق للخالق ونفي أصل ومبدأ التصوير والتشبيه لله . هناك أناس يحبون كثيرا فكرة ان الله الذي يعبدونه سوف يرونه ويراهم ويكلمونه ويتحدث اليهم ويستمعون اليه وهم بقربه وهو جالسٌ على عرشه العظيم. هذه الفكرة تعطيهم نوعا من الطمأنينة وتجعلهم في حالة من الشوق للوصول الى تلك اللحظة. ويجدون في القرآن ما يدعم ذلك التصوّر.
وفي المقابل هناك آياتٌ موجهة الى المستوى الآخر من البشر الذين يؤمنون بفكرة التنزيه المطلق لله , وأنه لا يمكن أن يكون يشبه خلقه , وأنه لا حيّز يحيطه حتى يتحرك فيه , ولا حدود له حتى يُرى , وليس له اعضاء فلا يُبعّضُ ولا يُجزّأ ,,, وعليه فكل ما ورد من آياتٍ عن الوجه واليد والاستواء على العرش الوجوه التي الى ربها ناظرة ,,,,,, كل ذلك من باب المجاز ويجب تأويله بما يليق بعظمة الخالق وجلاله. فالله نور الكون , وسر الكون , وكفى.
ومن ذلك الآية التي تنفي مبدأ الرؤية (لاَّ تُدْرِكُهُ الاَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الاَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) وغيرها من آيات , والتي تجمعها آية (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ . وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).


فالكل يفهم صفة الله بطريقته , وبما يناسب عقله ومستواه ,,,, والكل سعيدٌ بما فهمه ,,, والكل له سندٌ من كتاب الله

هل العلاقة بين الانسان والله مبنية على أساس الخوف والرعب ؟


لماذا يصرّون على أن تكون العلاقة بين الانسان والله مبنية على أساس الخوف والرعب ؟ لماذا التهديد المتواصل بعذاب الحريق في الاخرة؟  لماذا يريدون لنا أن نعبد الله تحت التهديد ؟ لماذا لا تكون علاقة الانسان بالله راقية وسامية , تقوم على أساس المحبة المتبادلة ؟؟
ألم يسمعوا بقول الامام علي بن ابي طالب " الهي , ما عبدتك طمعاً بجنتك , ولا خوفاً من نارك , ولكني وجدتك اهلاً للعبادة " ؟
ألم يفهموا قول الامام " ان قوماً عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار ، وإن قوماً عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد ، وإن قوماً عبدوا الله شكراً فتلك عبادة الأحرار " ,,,,,
ونحن نريد ان نكون من الأحرار  



______________

ملاحظة : هناك جدل بشأن ثبوت نسبة هذين القولين الى الامام علي بن ابي طالب, فلا يمكن الجزم بذلك. ولكنهما مذكورين في عدة مصادر وبصيغ وعبارات متقاربة. وأنا أميلُ الى الإثبات, فذلك ينسجم مع كلام الامام علي في مواضع أخرى كثيرة. 

فتاوى ابن تيمية : المرجعية الفقهية لداعش


وصلني من بعض الاصدقاء استفسار او بالأحرى اتهام بأنني أتجنى على شيخ الاسلام ابن تيمية وأتحاملُ عليه . وسألني صديق : هل تريدنا أن نصدق أن ابن تيمية هو المسؤول عن كل ما تقوم به داعش من ممارسات وهمجية ؟
وانا اجيب بأنه بكل تأكيد ابن تيمية ليس وحده المسؤول , فهناك الكثيرون غيره , وهناك النصوص ذاتها التي ليست من انتاج ابن تيمية ,,,, وانما ابن تيمية كان الرائد والمُبرّز في استخلاص كل ما يدعم فكر العنف والقسوة والتكفير في تراثنا , بالاضافة الى اللاعقلانية والقشرية, وفلسَفَ كل ذلك وجعَلَهُ آيدولوجية متكاملة الاركان. 
ابن تيمية لم يكن يأمر بهذه الممارسات الفظيعة التي نرى داعش تقوم بها  ولـــكــــنــه كان يفتح الباب لها !
أي انه كان يمهّد لها عندما يجعلها أمرا " ممكناً " بدل أن تكون محرّمة قطعاً .
وسوف أضرب مثالاً لتوضيح الفكرة , مما رأيناه جميعا في الايام القليلة الماضية: كنائس المسيحيين .

فالمسيحيون في سورية موجودون منذ ما قبل الاسلام . وقد مرت عليهم عهود الخلفاء الراشدين ومن بعدهم الامويين والعباسيين والسلاجقة والصفويين والعثمانيين ,,,, وخلال كل تلك العهود نجحوا في المحافظة على دينهم وكنائسهم وصور العذراء والصلبان وبقية شعائرهم ,,, وكانوا بشكل او بآخر يحظون بنوع من الاحترام من قبل الأغلبية المسلمة التي اعتبرتهم أهل ذمة واعترفت بدينهم وحقوقهم كأفراد وكطائفة دينية محترمة.
فنحن جميعاً نعرف حكم الاسلام بشأن المسيحيين واعتبارهم أهل كتاب وتأكيد القرآن والنبي (ص) على ضرورة احترام كنائسهم ورهبانهم وصونها . وعندما فتحت بلاد الشام ايام الخليفتين ابي بكر وعمر تُركت الكنائس على حالها رغم قدرة الجيوش الفاتحة على تدميرها عن بكرة ابيها..
فكيف ولماذا ؟ وبناء على أي مستند شرعي تقوم " الدولة الاسلامية " بتدمير واحراق كنائس المسيحيين في الحسكة ؟!
هنا يظهر لنا شيخ الاسلام ابن تيمية ..
وهذه فتواه التي يستخدمها شيوخ " الدولة الاسلامية " في الحصول على غطاء شرعي وتبرير افعالهم بحق المسيحيين:
"فَإِنَّ عُلَمَاءَ الْمُسْلِمِينَ ,,, مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ هَدَمَ كُلَّ كَنِيسَةٍ بِأَرْضِ الْعَنْوَةِ ؛ كَأَرْضِ مِصْرَ وَالسَّوَادِ بِالْعِرَاقِ وَبَرِّ الشَّامِ وَنَحْوِ ذَلِكَ, مُجْتَهِدًا فِي ذَلِكَ وَمُتَّبِعًا فِي ذَلِكَ لِمَنْ يَرَى ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ ظُلْمًا مِنْهُ ؛ بَلْ تَجِبُ طَاعَتُهُ فِي ذَلِكَ وَمُسَاعَدَتُهُ فِي ذَلِكَ ,,,"
 وهكذا فإن ابن تيمية لا يقول ان على المسلمين هدم الكنائس ولا يأمر بالاعتداء على المسيحيين , كلا , ولكنه في الواقع ينزع الحصانة عن كنائس المسيحيين حين يجعل الامر منوطاً بتقدير الحاكم المسلم او الخليفة . فهو يفتح الباب لأفعال داعش. أي بعد ان كان المسيحيون محميين بنصوص شرعية اسلامية جاء ابن تيمية ليسقط تلك الحماية ويجعلها أمرا خاضعا لتقدير الخليفة .
وقد رأينا تقدير خليفة داعش


نموذج من فتاوى " الإبادة الجماعية " في تاريخنا


وصلتني على الخاص رسالة من شخصٍ على المذهب السلفي . وللحق فهو شخصٌ مهذّبٌ ومؤدّب , لا يشتم ولا يسب, وأسلوبه في الكلام مقبول وبه حرصٌ ظاهر على طلب الحق والحقيقة. وقد كتب اليّ يقول ما خلاصته : ان داعش جماعة بعيدة تماماً عن ابن تيمية وفكره وفقهه , وانهم خوارج وليسوا من أتباع السلف الصالح . وأضاف : انت تظلم ابن تيمية كثيرا , بل وتتجنّى عليه , حين تقول انه أصل فكر ومنهج التكفير والقتل وسفك الدماء , وأن ابن تيمية أبعد ما يكون عن ذلك . وقد طلب منّي, بما يشبه التحدّي,  أن أدلّل على اتهاماتي السابقة له بهذا الشأن وعدم الاكتفاء بالكلام العام المرسل.
وقد قررتُ أن أردّ عليه هنا من أجل تعميم الفائدة . وأنا الآن سأعرض عليه, كمثال , فتوى " إبادة جماعية " بحق الدروز لشيخ الاسلام ابن تيمية . وقد نقلتها بنصها من الموقع الرسمي لـ " الرئاسة العامة للبحوث العلمية والافتاء " في السعودية .
( قال شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله:
كفرُ هؤلاء مما لا يختلف فيه المسلمون، بل مَن شك في كفرهم فهو كافرٌ مثلهم . لا هم بمنزلة أهل الكتاب ولا المشركين، بل هم الكفرة الضالون، فلا يباح أكل طعامهم وتسبى نساؤهم وتؤخذ أموالهم فإنهم زنادقة مرتدون لا تقبل توبتهم، بل يقتلون أينما ثقفوا ويُلعنون كما وصفوا. ولا يجوز استخدامهم للحراسة والبوابة والحفاظ، ويجب قتل علمائهم وصلحائهم لئلا يُضلّوا غيرهم، ويحرّم النومُ معهم في بيوتهم ورفقتهم والمشي معهم وتشييع جنائزهم إذا عُلم موتها، ويحرم على ولاة أمور المسلمين إضاعة ما أمر الله من إقامة الحدود عليهم بأي شيء يراه المقيم لا المقام عليه، والله المستعان وعليه التكلان).

" تُسبى نساؤهم و يُقتلون أينما ثقفوا " ,,,, أيها الأخ الفاضل

حكم الردة في بلادنا



لا زالت أحكام " الردة " تتوالى في الصدور بين كل فترة واخرى ,, مرة في مصر ومرة في باكستان , ومرة في السعودية , ومرة في السودان ,,,, وأذكر انه في موريتانيا منذ حوالي سنتين أصدرت المحكمة هناك حكماً بالاعدام على أحد الكتاب الشبان بتهمة " الردة " !
أحكام تعيسة ومتعسّفة وفي منتهى التخلف ولا تنتمي الاّ الى عهود محاكم التفتيش والقرون الوسطى ,,, أو ما قبلها .
وانا لم أقرأ ماذا كتب الشاب الموريتاني ذاك حتى يستحق حكم الاعدام , ولكن لنفرض جدلاً أنه " أساء الى النبي " او حتى " شتم الذات الالهية " , فماذا اذن ؟ يُعدم ؟!! ما هذا وأين نحن ؟
كان على تلك المحكمة الموريتانية أن تعلم أن النبي (ص) كانت أهم صفاته وخصاله العفو والتسامح , وأنه قال لأبي سفيان وبقية طغاة قريش " اذهبوا فأنتم الطلقاء " رغم انهم ضربوه وأهانوه وحاربوه وأخرجوه وحاصروه واغتصبوا ماله بل وقتلوا آله وأصحابه المقربين وليس فقط سبّوه ,,,, اكتفى بأن قال لهم : اذهبوا , سامحكم الله ! وأما من يشتم الذات الالهية , فأمره الى الله وهو يحاسبه على خطيئته يوم القيامة , وكما نقول في الاردن " ذنبو على جنبو " ! 
علماً بأن كل هؤلاء المحكومين بالردة ابتداء من نصر ابو زيد ومن بعده كانوا أصحاب آراء مخالفة للفقه السائد ولم يخرجوا من الدين أصلاً ولم يسبوا ولم يشتموا على ما أعرف.

ثم هل الله ورسوله , ودين الاسلام , يتأثرون بشتم سبّابٍ أو بتفاهة سخيفٍ هنا او هناك ؟! ليشتم من شاء أن يشتم , أليس الزبدُ يذهبُ جفاءً ؟؟