السبت، 2 ديسمبر 2017

مساحة للتفكير الحر : يهود بني قريظة



تكاد مصادر السيرة النبوية تتفق على قصة يهود بني قريظة , والتي ملخصها أنهم ارتكبوا فعل الخيانة العظمى بحق الرسول (ص) والمسلمين وذلك في أشد الاوقات وأصعبها أثناء حصار قريش لهم في معركة الخندق.فقد نكثوا عهودهم للنبي(ص) بأن يحموا ظهر المسلمين في المدينة ويمنعوا جيش قريش الضخم من اقتحامها من جهتهم. فقام زعماؤهم بالتواطؤ مع أبي سفيان وبقية قادة قريش بل وحرضوهم على إبادة المسلمين والقضاء عليهم ووعدوهم بالمساعدة وقدموا لهم الدعم الكامل . وقد كانت خيانتهم فظيعة بكل المقاييس وكان الخطر شديدا الى الحد الذي عبر عنه القرآن الكريم "وإذ زاغت الابصار وبلغت القلوب الحناجر". ولذلك بعد أن انتهت الأزمة بالصمود المؤزر للرسول (ص) والمسلمين قاموا بمحاصرة بني قريظة في حصونهم حتى استسلموا أخيرا ووافقوا على أن " ينزلوا على حكم سعد بن معاذ " الذي كان زعيم الفرع الأوسيّ من الانصار.
وهنا تبدأ الاشكالية ! فتقول مصادر السيرة أن سعد بن معاذ حكم بأن " يُقتل رجالهم وتسبى نساؤهم وأموالهم" وبالفعل تم تنفيذ ذلك حتى ان بعض المصادر تقول ان المسلمين كانوا يكشفون على عورات الغلمان اليهود من أجل معرفة " مَنْ أنبتَ " منهم حتى يُعدم بالسيف. وتُضيف المصادر الاسلامية أن النبي (ص) سُرّ كثيراً بحكم سعد بن معاذ الى حد انه قال " حكمتَ فيهم بحكم الله الذي حكم به فوق سبع سماوات " !
وهذه القصة يصعب نفيها بسبب كثرة ورودها في كتب السيرة . ليس من السهل القول انها مكذوبة ولم تحصل فهي ليست خبر آحاد او مجرد قول نسبه أحدهم للنبي(ص) , بل هي أقرب الى الخبر التاريخي. وهي تسبب لي الاشكاليات التالية :
- مبدأ العقوبة الجماعية : حيث ان حكم سعد بن معاذ كان عاماً ويشمل كل يهود بني قريظة دون تمييز بين المجرم والبريء ولا بين الزعماء ممن ارتكبوا فعل الخيانة والتحريض وبين العامة من الناس والاتباع البسطاء.
- مبدأ الإبادة الجماعية : حكمٌ بالاعدام على الجميع ! دون تمييز بين درجات الجريمة والعقاب من شخص لآخر.
- مبدأ الانتقام : حيث ان حكم القتل والسبي وتطبيقه على الجميع هو نوع من الانتقام والتنكيل أكثر من كونه عقوبة شرعية على جريمة محددة.

ومن المعروف في الاسلام ان العقوبة تكون فردية على اساس مبدأ " ولا تزر وازرة وزر اخرى " و " لكلّ امرئٍ ما سعى " , كما أن العقوبة لا بد أن تتناسب مع الجريمة بالضرورة , وذلك من مقتضيات العدل ,,,,
كما أن هذه القصة تتناقض تماما مع تصرّف الرسول (ص) يوم فتح مكة وقوله لمجرمي قريش وسفاكيها : اذهبوا فأنتم الطلقاء . فقصة يهود بني قريظة ليس بها أي نوع من التسامح او الرحمة ولا " العفو عند المقدرة " ولا تأليف قلوب ,,,, علماً بأن اليهود كانوا عنصراً مساعدا للمجرم , عنصرا داعماً ومتآمراً مع المجرم الفاعل الذي هو قبيلة قريش.

ولذلك فإن هذه الاشكالية ليس لها حل عندي ,,,, قصة يهود بني قريظة تسبب لي , كمسلم , حَرَجاً وقلقاً ضميرياً وأخلاقياً لا يمكن تجاهله  
  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق