الاثنين، 11 ديسمبر 2017

الخطاب القرآني الموجه لمستويات مختلفة من البشر : نعيم الجنة وصفات الله




من أهم مزايا القرآن الكريم التي تجعله مميزا فريداً خالداً ومختلفاً عما سواه , هو قدرته العجيبة والمذهلة على مخاطبة فئات مختلفة من البشر , ومستويات فكرية متنوعة , وقدرات عقلية متباينة,,,, كلهم يخاطبهم القرآن بما يناسبهم ويتلاءم مع مستوياتهم المختلفة . فالقرآن خاطب الانسانَ البسيط , والبدويّ في الصحراء, والفقيرَ والجائع , والتاجرَ الثريّ في المدينة ,,,,,,, كما خاطبَ المفكّرَ المتأمّل , والحكيمَ الفيسلوف, والعبقريّ النابغ
نعم خاطب كل هؤلاء , وتواصل معهم ,وفهمهم وفهموه بشكل جعله يدوم ويدوم على مدار الأزمان والأجيال .
وسأضرب مثالين على ذلك .
المثال الاول : وصف الجنة .
فالعديدُ من الآيات تتحدث عن أنهار اللبن والعسل , وعن الحور العين البيض الجميلات , وعن الارائك والأسرّة ,,,, وغير ذلك من مُتع جسدية تتعلق بالطعام والشراب واللباس والجنس. وهذا كما لا يخفى يجذبُ نوعاً من البشر البسطاء الذين يُناسب مستواهم ذلك النوع من " النعيم " ويرونه غاية المنى مما لا يُرامُ بعده.
ولكننا نجد آية أخرى تخاطب نوعا آخر من البشر وتقول لهم عن الجنة (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى. وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى) وهذا ينفي كل قصة المُتع المادية التي سبق ذكرها . فلا جوع في الجنة وبالتالي لا حاجة للطعام والشراب , ولا حاجة للباس ولا للسكن وللقصور ,,,,, الخ فكل ذلك انما ذكر من باب مخاطبة الناس الذين لا يمكن ان يتصوروا جنة بدون ما يرونه في حياتهم التي يعيشونها من نعيم لا يتخيلون جنة بدونه.
أما ذوو المواهب والعقول والهمم العاليات الذين لا تعنيهم كل تلك الامور فيقول لهم على لسان الرسول : (فيها ما عينٌ رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ) وكفى , بلا تفصيل , ولا خمر وعسل , لكي تسمو نفوسهم الى ذلك النوع الأرقى والأرفع من المُتع : مُتع الروح والعقل , والابداع , والاخلاق , والفن والفكر .
فالكل يفهم مُتع الجنة بطريقته , وبما يناسب عقله ومستواه ,,,, والكل سعيدٌ بما فهمه ,,, والكل له سندٌ من كتاب الله
*******
والمثال الثاني على قدرة القرآن الكريم على مخاطبة البشر بمستوياتهم العقلية والفكرية المختلفة هو موضوع : صفات الله .
فتجد العديد من الآيات التي تتحدث عن الله وكأنه شخصٌ جبارٌ أو ملِكٌ عظيمٌ يجلسُ على عرشٍ في أعلى السماوات , وله جسمٌ وأعضاء كالانسان ( يد , وجه , عين ) , ويتحرك , ويتكلم , ويمكن للبشر رؤيته يوم القيامة ,,,,, ولا يخفى أن هذا النوع من التوصيف لله يناسب فئة من الناس ممن يمتازون بالبساطة وبتواضع مستواهم الفكري , فيحتاجون الى تخيّل معين أو تصوّر في أدمغتهم لخالق الكون , ويصعب عليهم استيعاب فكرة التنزيه المطلق للخالق ونفي أصل ومبدأ التصوير والتشبيه لله . هناك أناس يحبون كثيرا فكرة ان الله الذي يعبدونه سوف يرونه ويراهم ويكلمونه ويتحدث اليهم ويستمعون اليه وهم بقربه وهو جالسٌ على عرشه العظيم. هذه الفكرة تعطيهم نوعا من الطمأنينة وتجعلهم في حالة من الشوق للوصول الى تلك اللحظة. ويجدون في القرآن ما يدعم ذلك التصوّر.
وفي المقابل هناك آياتٌ موجهة الى المستوى الآخر من البشر الذين يؤمنون بفكرة التنزيه المطلق لله , وأنه لا يمكن أن يكون يشبه خلقه , وأنه لا حيّز يحيطه حتى يتحرك فيه , ولا حدود له حتى يُرى , وليس له اعضاء فلا يُبعّضُ ولا يُجزّأ ,,, وعليه فكل ما ورد من آياتٍ عن الوجه واليد والاستواء على العرش الوجوه التي الى ربها ناظرة ,,,,,, كل ذلك من باب المجاز ويجب تأويله بما يليق بعظمة الخالق وجلاله. فالله نور الكون , وسر الكون , وكفى.
ومن ذلك الآية التي تنفي مبدأ الرؤية (لاَّ تُدْرِكُهُ الاَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الاَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) وغيرها من آيات , والتي تجمعها آية (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ . وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).


فالكل يفهم صفة الله بطريقته , وبما يناسب عقله ومستواه ,,,, والكل سعيدٌ بما فهمه ,,, والكل له سندٌ من كتاب الله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق