السبت، 22 مارس 2014

الحاكمون ورواة الحديث


كان الحكام, بشكل عام, حريصين على التواصل مع الذين يتصدّون لرواية أحاديث النبي(ص). وتلك طبعاً طريقة فعالة في اضفاء الشرعية على حكمهم وضمان حثّ العامة على طاعتهم, ونسبة ذلك إلى النبي(ص).
وبدأ ذلك مبكراً , من أيام معاوية وعلاقته مع ابي هريرة, واستمر من بعده.
وسوف أتكلم هنا عن محدّث عَلَمٍ معروف , وهو محمد بن شهاب الزهري ( توفي سنة 124 للهجرة) الذي يعتبر من أهم رواة الأحاديث لدي الشيخين البخاري ومسلم.
وقد تتبعتُ بعضاً من سيرته وأخباره في عدد من أهم مصادر التاريخ ورجال الحديث : الطبقات الكبرى لابن سعد, وفيات الاعيان لابن خلكان, تاريخ دمشق لابن عساكر وتاريخ الاسلام للذهبي.
وهناك اجماع على ان الزهري كان على علاقة وثيقةٍ متواصلة مع ملوك بني أمية. وكان يدخل عليهم يجالسهم كثيرا.ويذكر المؤرخون ان الخليفة هشام بن عبد الملك أدّى عنه مبالغ مالية كبيرة (ديون كانت عليه) , سبعة آلاف دينار ( او ثمانية عشر الفا في رواية اخرى). وقد قبلَ الزهري عطاءات الخليفة شاكرا.
وليس هشام فقط. فقبله, كان عبد الملك بن مروان قد منحه الأموال وأمرَه بالتفرغ للدراسة, وكان سليمان بن عبد الملك قد عينه مستشاراً له, وبعدها أصبح مقرباً من الخليفة عمر بن عبد العزيز, ومن ثم قاضياً ليزيد بن عبد الملك, إلى أن قرّبه هشام أخيراً وجعله مؤدباً لأولاده.
ولا بد أن ارتباطات الزهري مع ملوك بني أمية غدت عميقة إلى درجة أثارت حوله بعض الشبهات, رغم شهرته بين الناس كعالمٍ كبير وإمامٍ ومحدّثٍ ثقة.
فقد نقل ابن أبي الحديد في (شرح نهج البلاغة) نقلاً عن كتاب (احياء علوم الدين ) للغزالي نص رسالةٍ بعثها للزهري رجلٌ محبٌ ناصحٌ , يحذره فيها من عواقب مخالطة السلاطين ويدعوه للكف عن ذلك. وفيما يلي مقتطفات من تلك الرسالة المؤثرة:
" عافانا الله وإياك أبا بكرٍ من الفتن. فقد أصبحتَ بحالٍ ينبغي لمن عرفك أن يدعو الله لك ويرحمك. فقد أصبحتَ شيخاً كبيراً وقد أثقلتكَ نِعمُ الله عليك....
وليس كذلك أخذ الله الميثاقَ على العلماء. فإنه تعالى قال ( لتبينّنهُ للناس ولا تكتمونه) .
 واعلمْ أن أيسر ما ارتكبتَ , وأخفّ ما احتملتَ, أنك آنستَ وحشة الظالم, وسهّلتَ سبيل الغيّ, بدنوّكَ إلى مَن لم يؤدّ حقاً ولم يترك باطلاً حين أدناك.
اتخذوك – أبا بكر – قطباً تدور عليه رحا ظلمهم وجسراً يعبرون عليه إلى بلائهم ومعاصيهم , وسلّما يصعدون فيه إلى ضلالتهم. يُدخِلون بك الشك على العلماء , ويقتادون بك قلوبَ الجهلاء ..."

*********
وفي الجانب الشيعي من الاسلام , أشير الى حالة العلاّمة محمد باقر المجلسي , وهو صاحب الموسوعة الحديثية الكبرى لدى الإماميّة : بحار الأنوار ( 110 مجلدات), وهو طبعاً من أعلام المذهب ورموزه الكبار.
وتفيدنا سيرة العلاّمة المجلسي أنه كان شديد القرب من البلاط الملكي أيام حكم الملوك الصفويين. ورغم ان الشاه سليمان الصفوي كان على المستوى الشخصي شديد الانغماس في حياة اللهو والخمر والليالي الحمراء ومولعاً بالجواري والمُتع ,,,, إلاّ أن ذلك لم يمنع العلاّمة المجلسي من أن يكون قريباً منه وموالياً له, ليمنحه الشرعية الدينية أمام الرعية. وفي المقابل قام الشاه سليمان بتعيين المجلسي بمنصب (شيخ الاسلام) وهو أعلى منصب ديني في ايران آنذاك وبالتالي فوّضه بالسلطة الدينية العليا في كل انحاء البلاد. واستمرّ العلامة المجلسي في الارتباط بالبلاط الصفوي بعد وفاة الشاه سليمان , بل انه قام بنفسه بتتويج خليفته الشاه سلطان حسين لدى اعتلائه العرش.
وفيما يلي أنقل كلاماً للعلامة المجلسي من كتابه ( عين الحياة ) الذي عرّبه وحققه سيد هاشم الميلاني .
قال المجلسي تحت عنوان (في حقوق الملوك ورعايتهم والدعاء لصلاحهم وعدم التعرّض لسطوتهم) :
" اعلمْ ان للملوك الذين دانوا بدين الحق حقوقا كثيرة على الرعية, حيث انهم يحرسونهم ويدفعون اعداء الدين عنهم ويحفظون عرضهم ومالهم وانفسهم. فلا بد من الدعاء لهم ومعرفة حقهم"
واضاف العلامة المجلسي كلاما معناه انه حتى إن انحرف الملوك عن جادة الصلاح والعدالة فلا بد من الدعاء لصلاحهم ,,, ولا بد من رعاية مطلق الملوك لأن معصيتهم تجلب البلاء, واستجلابُ البلاء محرّم ,,,,,,,,,,,,