أكاذيب بشأن الخنزير ولحمِهِ

حرم الاسلام لحم الخنزير بشكل صريح وقطعيّ لا لبس فيه. ونحن كمسلمين لا نأكل لحم الخنزير امتثالاً للأمر الإلهي الواضح . ولكن القرآن الكريم لم يقدم أسباباً لتحريم تناول لحم الخنزير ولم يعلل ذلك بل اكتفت الآيات بنهي المسلمين عن أكله. وأوامر ربنا في القرآن الكريم ونواهيه في شؤون الحلال والحرام ليست دائماً بحاجة الى تبرير ولا يشترط فيها ظهور العلة الداعية لها, بل هي مسألة دينية إيمانية على المسلم أن يأخذ بها كما هي تسليماً منه بالحكمة الالهية الكلية ما ظهر منها وما خفي.

ولكن البعض منا لا يعجبه هذا المنطق, بل يصرّ على منح نفسه الحق في تقديم "تفسير علمي" لاوامر القرآن الكريم ونواهيه. وللأسف يلجا البعض منا الى الكذب في محاولة منه "لتدعيم" القرار الالهي بتحريم أكل لحم الخنزير. وأنا حقاً لا أدري لماذا يقومون بذلك ؟ وما الداعي لتزييف الحقائق العلمية من أجل تقديم تفسير للقرار الالهي؟ وأنا أسأل هؤلاء : ماذا لو تبيّن خطأ ادعائكم بوجود أضرار طبية نتيجة لحم الخنزير؟ ماذا لو اتضح انه لا يسبب أمراضاً , هل علينا في تلك الحالة أن نغيّر رأينا فنحلل أكله؟!

ونظريات هؤلاء بشأن الخنزير يمكن تقسيمها الى صنفين :

الأضرار الطبية لتناول لحم الخنزير , والامراض الكثيرة التي يتسبب بها للانسان

الأضرار الخلقية لتناول لحم الخنزير , وبالتحديد انتقال صفة "الدياثة" الى الانسان

وفي الصنف الاول : نرى هؤلاء لم يبقوا علة ولا مرضاً إلاّ ألصقوها بالخنزير ولحمه . وفيما يلي نموذج مما يكتبونه في منتدياتهم وينشرونه بواسطة ايميلاتهم :

 

"هناك عدة عوامل لتحريم لحم الخنزير منها
1- لحم الخنزير يعد من اللحوم التي تحتوي على نسبة عاليه جداً من مادة الكولسترول الدهنية التي زيادتها في دم الإنسان تسبب زيادة فرص الإصابة بتصلب الشرايين
2- الديدان وما أدراك من الديدان ، تناول لحم الخنزير له علاقة بما لا يقل عن 50 مرض ، منها الدودة الشريطية التي تسبب الإصابة بإلتهاب الرئة ، الدودة الحلزونية ، الدودة المدورة ، الدودة الخطافية وغيرها كثير يصعب حصرها
3-  لحم الخنزير ودهنه وجد أنه يتسبب في نشر سرطان القولون والمستقيم ، وأكل لحم الخنزير له علاقة وطيدة مع الجرب والحساسية وقرحة المعدة
4-  هناك مفهوم خاطئ وشائع بأن طبخ لحم الخنزير جيداً يسبب قتل بويضات الدود ، والرد على ذالك علمياً ، أثبتت دراسة في الولايات المتحدة الأمريكية بأنهم وجدوا بويضات الخنزير أكرمكم الله لم تمت في درجات الطبخ العادية
5-  كما هو معلوم بعض الأمراض مثل الروماتيزم والتهاب المفاضل لها علاقة وطيدة بين الإنسان والخنزير, وليس هناك أي إشتراك بينها وبين أي حيوان آخر
6-  يعتبر من اللحوم التي لا تهضم لأنه يحتوي على دهون مشبعه.
7-  يحتوي على نسبة دهن اللينولينك بنسبة عاليه مقارنة بالأغنام والأبقار ، ففي دراسة عملت على 3 حيوانات وجد بأن في الأبقار نسبة دهن اللينولينك 2.4 % وفي الأغنام 2.7 % أما في الخنزير وجدوا 14.2 % ، والفرق واضح بينهم جميعاً
8-  هو الحيوان الوحيد الذي تتم عملية الغسل بعدل الذبح بدرجة حرارة 65 مئوية ، مقارنة بالدواجن تغسل على درجة حرارة 50 إلى 53 درجة حرارة مئوية وحتى لو كانت مجمدة تصل إلى 58 درجة حرارة مئوية . مع العلم بأن هذه الدرجة العالية تعتبر قليلة لقتل الميكروبات خصوصا وأن الماء سوف يصبح ملوثا
9-  جميع العمليات بعد الذبح إلى حد ما متشابه بين اللحوم الحمراء والبيضاء إلا الخنزير فهو منفرد بعملية التعقيم
10- معظم التلوث الذي يحدث للذبيحة يكون غالباً قادم من الحيوان نفسه بنسبة 70% ومن المصادر الأخرى كالتلوث الخلطي بنسبة 30% . فإذا أردنا أن نقار بين الخنزير والأغنام والماعز مثلاً ، نرى بأن المصدر الرئيسي لدخول مسببات المرض في الأغنام البراز, والماعز الجلد ، لكن في الخنزير الوضع مختلف فهي تدخل في الأمعاء الغليظة ، اللوزتين ، الغدد خصوصا بكتريا السالمونيلا."

اذن يدّعي هؤلاء ان لحم الخنزير مليئ بكل انواع الديدان وبكتيريا السالمونيلا وان أكله يؤدي الى سرطان القولون والتهاب الرئة والروماتيزم والجرب ..... الخ

وانا أقول ان هذه الادعاءات باطلة وغير صحيحة , وهي محضُ هُراء. ولن أدخل طبعاً في التفاصيل الطبية لتفنيد هذه المزاعم فهي متهافتة الى حد انها لا تستحق رداً جدياً ولكني أكتفي بالاشارة الى ان أهل اوروبا لا يعانون من تفشي هذه الامراض المذكورة بينهم رغم انهم يعتمدون على لحم الخنزير في طعامهم. بل ان أفضل الرياضيين من ابطال الدورات الاولمبية في ألعاب القوى والجمباز هم من روسيا واوكرانيا والمانيا, واجسام هؤلاء قوية جداً ومتناسقة وسليمة تماماَ وليس بها أي أثر للجرب ولا تعاني من روماتيزم ولا غير ذلك من الامراض المزعومة, رغم ان لحم الخنزير هو أكلهم الرئيسي.

فما رأي مروّجي الاكاذيب في تلك الحقيقة؟ كيف يفسرون ذلك؟ ألا يكفي ذلك لدحض كل مزاعمهم؟

والاحصاءات المنشورة في دول الاتحاد الاوروبي تشير الى أن الخنزير يتصدر انواع اللحوم التي يتم استهلاكها عندهم , وأكثر من لحم البقر والغنم.

بل وأكثر من ذلك : فإن هناك تقارير كثيرة تذكر أنه من الوجهة الطبية المحضة الخنزيرُ مصدرٌ مهمٌ للأنسولين الذي يستخرج من غدّة بنكرياس الخنازير، وهو دواء لا غنى عنه لمرضى السكّري، لا بل إنه من أجود أنواع الأنسولين وأقربها تركيباً للأنسولين الإنساني، ونادراً ما يؤدي إلى مضاعفات سلبية.

وعلاوة على ذلك كله، لا ننسى أن الخنزير من أفضل حيوانات التجارب في حقل الاختبارات العلمية خاصة في نقل الأعضاء., وهو مفيدٌ للانسان بتلك الصفة.

أقول ذلك كله ليس حباً في الخنازير بل من قبيل الامانة العلمية والموضوعية.

وقبل أن أنتهي من هذه النقطة أشير الى أن تعرّض بعض الخنازير لأنواع من الامراض أو الديدان أمرٌ وارد وممكن. ولكن ذلك لا يقتصر على ذلك الحيوان دون غيره, بل يمكن أن يحصل ذلك للماعز والضأن والعجل والدواجن. إذن هذا لا يختصّ بالخنزير.

وأما الصنف الثاني من الادعاءات بشأن لحم الخنزير فهو أكثر شيوعاً بين عامة المسلمين. وهو يتلخص فيما يلي :

"... كما ان تناول لحم الخنزير يؤدي إلى التخلق بطباعه السيئة . وكما هو معلوم فإن الخنزير لا يغار على أنثاه" وقولهم " النصارى لا يغارون على أعراضهم لأنهم يأكلون لحم الخنزير"

أي باختصار : يعتبرون الخنزير حيواناً " ديوثاً " ! وأن صفة " الدياثة " هذه تنتقل الى الانسان الذي يأكل لحمه.

وهذا الادعاء ايضاً كاذب , ولا أساس له. وللتوضيح أكتفي بالقول :

-          من السخافة الادعاء بأن الخنزير " ديوث " ! فهذه صفة للبشر ولا يجوز اطلاقها على الحيوانات . فهل هناك " شرف " عند بقية الحيوانات ؟! هل تغار القطط والكلاب , والخراف والارانبُ , على " أعراضها " ؟!

والنظرية الكامنة وراء هذا الادعاء هي أن من الممكن أن تنتقل صفات وطباع وسلوكيات من الحيوان الى الانسان الذي يأكل لحم ذلك الحيوان! وهذا وهم. فالانسان عندما يضع اللحم في فمه ويشرع في مضغِهِ يبدأ الطعام في التحلل والتفكك الى مركبات عضوية بسيطة عن طريق اللعاب وافرازات المعدة. أي أن العملية من اولها لآخرها كيمياء في بيولوجيا , فقط. وليس لنوع لأكل أو اللحم أي ارتباط بالسلوك والطباع والافكار على الاطلاق. وحتى لو كان الخنزير "ديوثاً" فلن تنتقل تلك الصفة الى من يأكل لحمه, وحتى لو كان الكلبُ وفياً فلن يصبح الصينيون الذين يأكلونه أوفياء , ولو كان الجملُ صبوراً أو حقوداً فلن تنتقل تلك الصفات الى من يتناولون لحم الابل.  وكم من فارسٍ مغوار وبطلٍ مقدام أكلوا لحم دجاجٍ دون ينتقل جُبنُ الدجاجة اليهم! كما ان هؤلاء الاوروبيين الذين يأكلون لحم الخنزير ليسوا كلهم ديوثاً ! بل ان من "النصارى" العرب مَن يغار على عرضه أكثر من بعض المسلمين.

وختاماً أدعو هؤلاء الذين يروجون الاكاذيب الى التوقف عن ذلك واحترام العقل والحقيقة. لحمُ الخنزير محرّمٌ شرعاً ونحن لا نأكله ولا ندخله بيوتنا , ولكنه لا يسبب المرض ولا يؤدي الى صفة الدياثة لدى الانسان.