السبت، 29 أكتوبر 2011

حاخامُهُم يصفنا بالصراصير والديدان ,,, وشيوخنا يصفونهم بالقردة والخنازير!!


الحاخامُ الأكبرُ لدولة الكيان الصهيوني , عوفاديا يوسيف, له رأيٌ سلبيّ في عموم الفلسطينيين, والعرب والمسلمين , لا يخفيه, بل يعبّر عنه ويكرره في كل فرصةٍ تتاح له , ويقوله سراً واعلاناً وبلا لفٍ ولا دوران.
فالحاخامُ البالغُ من العمر 91 سنة لا يشعر بضرورة المواربة أو التكنية في التعبير عن نظرته تلك التي تطفحُ عنصرية وبغضاء. فهو لا يكذبُ بل يقولُ ما يؤمن به ويترك مهمة التزويق والترقيع لعتاة الساسة في " دولة اسرائيل" الذين عليهم اقناعنا ان كيانهم الصهيوني يحب السلام وان حاخامهم الأكبر قد أسيء فهمُه !
وفيما يلي مقتطفات من تصريحات الحاخام الأكبر على مدى عدة سنوات والتي تظهر تمسّكه بكلامه العنصري البغيض واصراره عليه مما ينفي تفسير سوء الفهم أو الخطأ العابر:
وصف الحاخام عوفاديا يوسيف، في درسه الديني الأسبوعي (عظة السبت) يوم 28-8-2010، الفلسطينيين بأنهم " أشرار"، وتمنى " زوالهم عن وجه الأرض وليضربهم الطاعون ".
وفي كانون اول (ديسمبر) 2009 هاجم الحاخامُ يوسيف المسلمين في درس ديني له ووصفهم بأنهم "حمقى وأغبياء ودينهم مقرف مثلهم".

وفي شهر آب (أغسطس) 2004؛ قال عوفاديا يوسيف في خطبة له: إن "
قتل المسلم مثل قتل الدودة أو الثعبان".

وفي تموز (يوليو) 2001؛ دعا الحاخام اليهودي إلى "
إبادة العرب بالصواريخ" وتمنى "محوهم عن وجه البسيطة".

وفي أيار (مايو) 2000؛ قال يوسيف "
إن العرب صراصير يجب قتلهم وإبادتهم جميعا"، ووصفهم بأنهم " أسوأ من الأفاعي السّامّة ".
وهذه التصريحات علنية , وقد نشرتها وسائل الاعلام في حينه. ومن شاء بعض التفاصيل فهذه إحداها :
والصادمُ في كلام الحاخام الكبير ليس فقط عنصريته القبيحة وتعصّبه المقيت بل ايضاً نزعة التعميم لديه. فهو لا يتكلم عن حزبٍ سياسي معين , ولا عن جماعةٍ بعينها , أو تنظيمٍ ما , بل يذكر " العرب" و " المسلمين" و " الفلسطينيين" هكذا بعمومهم ودون تمييز بين صالحهم وطالحهم . فالحاخامُ يرى نفسه ممثلاً "لشعب الله المختار" الذي وحده يستحق الحياة , وليذهب الآخرون كلهم الى الجحيم! وظاهرٌ أن الحاخام لا يعترف بإنسانية الفلسطينيين والعرب والمسلمين الذين ليسوا سوى حشرات لا أكثر.
ونشير هنا الى ان هذه التصريحات العنصرية المقرفة صدرت عن أكبر حاخام في أعلى هيئة دينية في "دولة اسرائيل" , وهي الدولة التي قامت وأسّست استناداً الى مزاعم وخرافات دينية عمرها آلاف السنين. فهل عجبٌ بعد ذلك أن ترتكب تلك الدولة - التي حتى اسمها مأخوذ من أساطير دين اليهود- أفظع الجرائم بحق الفلسطينيين والعرب والمسلمين , وأن تسنّ أقبح قانون عنصري في الكون كله , وهو الذي اسمه " قانون العودة " ؟!

وختاماً لا بد أن نعترف بأنه توجد لدينا نحن بعضُ نزعاتٍ تشبه في جوهرها توجهات حاخام اليهود العنصري. فكثيرٌ من خطباء المسلمين لا يتورعون عن الكلام عن " ابناء القردة والخنازير " في معرض اشارتهم الى اليهود (وبعضهم يشمل المسيحيين ايضاً !).  

ونحن نقول ان العنصرية بغيضة وكريهة, مهما كان مصدرها وقائلها. وهي ضد الحضارة وضد التقدم وضد الانسان. ولا ينبغي التسامح مع أي كلامٍ فيه إهانة وتحقير لجماعةٍ من البشر بعمومها : طائفة كانت أم مذهب, دين كان أم عِرق, جنس كان أم جنسية. كل ذلك مرفوض. فالانسان لا يصحّ أن يؤاخذ على ما لم يختره, ومعيار التمايز بين البشر هو العملُ والعلمُ والخلق والسلوك.

والفلسطينيون , والعرب والمسلمون, ليسوا صراصير ولا أفاعي سامة, أعجب ذلك الحاخامَ العنصريّ أم لم يعجبه. واليهود والمسيحيون ليسوا ابناء قردة وخنازير, رضي بذلك بعضُ شيوخ التعصّب أم لم يرضوا,,,,

الجمعة، 14 أكتوبر 2011

نظرة ابن تيمية وأتباعه السلفيين الى الانسان غير المسلم



هذه بعض فتاوى وأحكام كبير السلفيين على مر الزمان , شيخ الاسلام ابن تيمية, وأحد أبرز وأهم أتباعه في العصر الحديث, وهو العلامة السعودي الشيخ المرحوم ابن عثيمين , تتعلق بالآخر , غير المسلم.
 
يؤصّلُ شيخ الاسلام ابن تيمية للتعامل مع "الكافر" فيقول في فتاويه " وليُعلم ان المؤمن تجبُ موالاته وإن ظلمك واعتدى عليك. والكافرُ تجبُ معاداته وإن اعطاك واحسن إليك. فإن الله سبحانه بعث الرسلَ وأنزل الكتبَ ليكون الدينُ كله لله, فيكون الحبّ لاوليائه والبغضُ لأعدائه, والإكرامُ لأوليائه, والإهانة لأعدائه, والثوابُ لأوليائه والعقابُ لأعدائه".
إذن فالأصلُ هو معاداة "الكافر" حتى لو أحسن الينا وأعطانا وأكرمنا ! وهذا "الكافر" عند ابن تيمية هو كل من هو غير مؤمن بالاسلام. وكل من هو غير مؤمن هو عدوّ لله ولرسوله وللمؤمنين تجب معاداته وبغضه وإهانته كما هو وارد في نص الفتوى.
وجاء من بعده الشيخ السعودي ابن عثيمين ليضع النقاط على الحروف ويوضح إن الكافرين دماؤهم مباحة شرعاً دون حتى أن يكونوا محاربين او معتدين!! فيقول في إحدى فتاواه عن الكافرين " وإنّ شِركهم وكفرهم هو الذي اباحَ دماءهم , وليس مجرد حربهم وعدوانهم".

واما من هو الكافرُ بنظرهم , فيوضح لنا شيخ الاسلام أنه كل من هو ليس بمسلم "الكفرُ عدمُ الايمان". بل ان الشيخ ابن عثيمين يصرّ على توضيح ان اهل الكتاب من مسيحيين ويهود مشمولون أيضاً , فيقول " ان اليهود والنصارى كفار , لأن الحجة قد قامت عليهم وبلغتهم الرسالة ولكنهم كفروا عناداً ". ولا ندري كيف حكم ابن عثيمين أن مليارات البشر من الميسيحيين في العالم قد بلغتهم رسالة الاسلام الصافية ثم كفروا عناداً ؟ كيف يعمم هكذا ؟  ويوضح ابن عثيمين ان حكمه يستند الى قول قدماء السلف , فينقل عن الامام احمد بن حنبل أنه قال " إذا رأيت النصراني أغمضُ عينيّ كراهة ان أرى بعيني عدوّ الله " ثم يقول معلقاً على هذا الكلام " وأصبح كثيرٌ من الناس الآن لا يفرّقُ بين مسلم وكافر, ولا يدري أن غير المسلم عدوّ الله عز وجل بل هو عدوّ له ايضاً ". إذن يكفي ان يكون الانسان غير مسلم ليوصف بأنه كافر وأنه عدو لله تعالى وأنه عدوّ للمؤمنين حتى لو كان جاهلاً أو غافلاً أو متردداً شاكّاً , وحتى لو كان هندياً أو بوذياً يعيش في قرية نائية لا يعلمُ شيئاً ولا يفقه إلاّ ما تلقنه عن آبائه, خالي الذهن عن العداوة أصلاً وخالي الذهن عن المعاني التي يطرحها الشيخ ابن عثيمين.
هذا وعندما سئل العلامة ابن عثيمين عن حُسن التعامل مع غير المسلمين أجاب انه " لا شك أن المسلم يجب عليه أن يُبغض أعداء الله ويتبرّأ منهم لأن هذه هي طريقة الرسل وأتباعهم" ثم يقول " أما كون المسلم يعاملهم بالرفق واللين طمعاً في اسلامهم وايمانهم فهذا لا بأس به, لأنه من باب التأليف على الاسلام, ولكن اذا يئس منهم عاملهم بما يستحقون أن يعاملهم". اذن المعاملة بالحسنى وبالرفق واللين تكون فقط في حالة الطمع في اسلامهم , وإلاّ فعلى المسلم أن يعاملهم بما يستحقون !!
وبالعودة الى شيخ الاسلام ابن تيمية نجدُ ما هو أبعد من ذلك عنده اذ يقول " فإن كل ما عُظم بالباطل من مكان أو زمان أو حجر أو شجر يجب قصد إهانته, كما تهانُ الاوثانُ المعبودة وإن كانت لولا عبادتها كسائر الاحجار".
فهذه قاعدة مطلقة يعلنها ابن تيمية  يقرر بها حكماً شرعياً: انه يجبُ قصد اهانة مقدسات الاخرين سواء كانت أمكنة كالكنائس والمعابد وبعض الانهاء , أو أزمنة كعيد الكرسمس أو رأس السنة , أو كانت صلباناً أو مجسّمات أو آثاراً وغيرها.
بل ان ابن تيمية يشتط فيعلن ان الكفار لا يملكون أموالهم شرعياً ولا يحق لهم التصرف فيما بأيديهم !  فيخبرنا شيخ الاسلام أن كل من هو غير مؤمن لا يحل له شيء من المباحات لأن الله تعالى انما خلقها للمؤمنين فقط يتمتعون بها! قال " وأما الكفار فلم يأذن الله لهم في اكل شيء ولا أحلّ لهم شيئاً ولا عفا لهم عن شيء يأكلونه بل قال ( يا ايها الناس كلوا مما في الأرض حلالاً طيباً) فشرط فيما يأكلونه أن يكون حلالاً , وهو المأذون فيه من جهة الله ورسوله والله لم يأذن في الأكل إلاّ للمؤمنين به فلم يأذن لهم في اكل شيء الا اذا آمنوا , ولهذا لم تكن أموالهم مملوكة لهم ملكاً شرعياً , لأن الملك الشرعي هو المقدرة على التصرف الذي أباحه الشارع صلى الله عليه وسلم , والشارع لم يبح لهم تصرفاً في الاموال الا بشرط الايمان". ثم يقول شيخ الاسلام عن الكافرين " فكانت أموالهم على الاباحة.... والمسلمون اذا استولوا عليها فغنموها ملكوها ملكاً شرعياً , لأن الله أباح لهم الغنائم ولم يبحها لغيرهم".
وواضحٌ كيف يخلط ابن تيمية هنا بين الكافر مطلقاً ( وهو كل من هو غير مؤمن) وبين الكافر الحربي . فإن الغنائم هي ما أخذ من غير المسلين بقتال , فلماذا يعمم هذا الامر في الكفار مطلقاً ؟ وهو يتابع كلامه فيقول " ... ولهذا سمّى الله ما عاد من أموالهم (الكفار) الى المسلمين فيئاً لأن الله أفاءه الى مستحقيه , أي ردّه الى المؤمنين به ..."   

اذن فالأصل عند هؤلاء أن دماء غير المسلمين واموالهم مباحة شرعاً للمسلمين , فلا حرمة لهم من حيث المبدأ. ولكن ابن تيمية وابن عثيمين يتركون التطبيق والتنفيذ لهذه القاعدة للظروف وللمصلحة. فهم لا يدعون المؤمنين دائماً الى الاعتداء على "الكفار" ولقتالهم بل يتركون ذلك للمقدرة ولتيسر الأحوال. فيجيزون المهادنة والموادعة اذا اقتضت الحاجة ولكن مع احتفاظهم بالرأي الشرعي المذكور.



أحدى أبشع التطبيقات لفتاوى ابن تيمية وابن عثيمين :


شهد قطاع غزة قبل بضعة أشهر جريمة بشعة يندى لها الجبين نفذتها مجموعة سلفية تسمي نفسها "سرية الصحابي الهمام محمد بن مسلمة" حيث قامت هذه المجموعة السلفية "المجاهدة !!" بخطف صحافي ايطالي يدعى فيتورو أريغوني ومن ثم قتلته بدم بارد , وبخسّة ووحشيّة لا نظير لها. وهذا الصحافي الذي ذبحه السلفيون الأشاوس ينتمي الى حركات السلام الدولية وهو ناشط في حركات التضامن الاوروبية مع الشعب الفلسطيني ولجان كسر الحصار, وكان قد وصل الى غزة من أجل التضامن مع الشعب الفلسطيني الذي يتعرض للحصار والعدوان الصهيوني. وقد وصل هؤلاء السلفيون في إجرامهم الى حد الفجور , فنشروا على موقع يو تيوب فيديو يظهر "فريستهم" الشاب المسكين وهو معصوب العينين وقد تعرض لضرب مبرّح قبل إعدامه.

ولكن ما الذي كان يريده هؤلاء السلفيون ؟ ولماذا اختطفوا الايطالي أصلاً ؟
السبب ايها السادة والسيدات أعجب من العجب! هم أرادوا من حركة حماس أن تطلق سراح أحد زعمائهم الموقوفين في غزة واسمه  هشام السعيدني " ابو الوليد " !
نعم , هم أرادوا أن يضغطوا على حماس فقتلوا ذلك الشاب الايطالي الرائع, الانسان, الذي كان يعمل بلا كلل ولا ملل من اجل مساعدة شعب فلسطين وفضح جرائم الكيان الصهيوني في اوروبا والعالم!!

فلتفرح يا سعيدني. فأتباعك ومريدوك نجحوا في إحراج حماس. ولتقرّ عينك يا " ابو الوليد" لأن تلاميذك لم ينسوك بل نشروا اسمك وأذاعوا صيتك في العالم كله!
وابتهجي يا اسرائيل ! فالفلسطينيون أثبتوا للدنيا كلها أنهم همجٌ متخلفون , يتخفون خلف قضيةٍ كاذبة , ولا يستحقون التعاطف ولا التأييد!

ولكن ما ذنب الايطالي المتضامن مع الشعب الفلسطيني؟ وما علاقته بمشاكل السعيدني مع حماس؟؟!
 لا يهم. فدمُ ذلك "الكافر" رخيصٌ ولا قيمة له بنظر "مجاهدي" السلفية.

نعم , تلك هي الحقيقة المرة. السلفيون في بلادنا لا يعترفون بمبدأ المساواة الانسانية ولا بحرمة دم الانسان من حيث هو إنسان. ومن ناحية شرعية فقط المسلم له حرمة عندهم!
 والعالم عندهم ينقسم الى " مسلمين " و " كفار ". وكل من هو ليس بمسلم يندرج ضمن خانة "الكفار" لديهم. عقيدة البشر عندهم هي الاساس في التعامل , وما دام ان الانسان غير مسلم فملة الكفر واحدة!

وإلاّ فما الذنب الذي ارتكبه الايطالي المسكين حتى يقتلوه؟ هل ارتكب جريمة ما جعلت دمه مباحاً ؟ هل آذى احداً ؟ هل أضرّ بالمسلمين؟ كلا بالتأكيد.
لماذا إذن لم يشعر هؤلاء السلفيون , وهم مسلمون طبعاً , بتأنيب ضمير وهم يقتلون الرجل البريء ؟ ولماذا لم يردعهم دينهم عن ارتكاب جريمتهم الشنيعة؟

لا داعي طبعاً للتساؤل عن مسالة التأصيل الفكري ( أو المسوّغ الشرعي) للجماعة السلفية التي نفذت جريمة القتل, ومن هو الذي أصدر لهم الفتوى وأباح لهم قتل الرجل الايطالي المسالم ؟
فالجواب معروف: انهم ليسوا بحاجة الى من يصدر لهم فتوى. فالفتوى موجودة وجاهزة وقديمة. فهم يرجعون الى مفتيهم الأعظم شيخ الاسلام ابن تيمية في العصور القديمة , والى أتباعه الوهابيين في السعودية في عصرنا الحالي.

فقد رأينا كلامهم.

فالأحكامُ عند السلفيين واضحة ومحسومة.

وليذهب فيتورو أريغوني الى الجحيم لأنه كافر ومهدور الدم.
 




الثلاثاء، 4 أكتوبر 2011

انهم يكرهون الفن والحب والجمال , وحتى فيروز لم تسلم من أذاهم

سلفيّو هذا الزمان يمقتون الفن من حيث المبدأ. ولو كان اعتراضهم موجهاً نحو الفن الهابط أو المبتذل الرخيص أو العاري الخليع لتفهمنا ذلك , بل ولأيدناهم في موقفهم. فنحنُ أيضاً نعارض التفاهة وتجارة الأجساد والكلام الفارغ من كل مضمون إنسانيّ هادف.
ولكن مشكلتنا مع سلفيي زماننا هي انهم ضد أصل الفن والإبداع الانسانيّ بكافة صوره وأشكاله سواء كان رقصاً أو غناء ,,,  نحتاً أو رسماً ,,, تمثيلاً أو أداءً
وداخل أوساطهم , يكادُ ينعدمُ التمييز بين الفن الراقي الرفيع وبين هز الصدور والأرداف . فالكل يستخدمون الموسيقى , وهي حرامٌ , ومن عمل الشيطان, وبالتالي من يستخدمها يكون من معسكر الشيطان بالضرورة! ولا يفهم هؤلاء أبداً أن الموسيقى قد تكون تعبيراً عن حسّ إنسانيّ مرهفٍ , عن ذوقٍ رفيعٍ , عن مشاعرَ سامية , بل وعن تطلعات أوطانٍ وشعوب.... لا يعرفون هذا كله , فالأمر عندهم بسيطٌ ومحسوم : الموسيقى من مزامير الشيطان , سواء كانت سيمفونيات بيتهوفن أو طبلة احمد عدوية !

وقد وصلني قبل فترة رسالة ايميل يتم تداولها وترويجها عبر النت بطرق مختلفة, صدمتني بما احتوته من هجومٍ منحطٍ وبذئ موجه نحو الفنانة اللبنانية الكبيرة فيروز. والمشكلة أن رسالتهم – التي لا يعرف مصدرها بالتحديد رغم أني متأكد أنها صادرة من أوساط السفليين واتباعهم – مبنيّة على مجموعة من الأكاذيب الرخيصة وتزييف الحقائق والتلفيقات.
فيروز, ذات الصوت الملائكي, التي غنت للحب والحياة, وللانسان, وللطبيعة والكون, وللوطن, وللقدس وفلسطين, لم يجد السلفيون سبباً مقنعاً للناس لكي يهاجمومها فلجأوا الى الكذب للتشنيع عليها وتلطيخ سمعتها ونشر الشائعات البغيضة حولها. ففيروز محتشمة في لباسها وسلوكها, رصينة وهادئة, أغانيها رقيقة وشاعرية, لغتها محترمة وكلماتها معبّرة , فماذا يقولون للناس عنها (اللهم سوى مقولة ان الموسيقى من مزامير الشيطان والتي لا تلاقي الكثير من القبول بين عامة الناس) ؟؟ لا شك ان فيروز تثير في داخلهم غيظاً بسبب شعبيتها ومحبة الناس لفنها , فكان لا بد من الاساءة الى شخصها بأي وسيلة. وهذا نص الايميل المسيئ الذي يتداولونه :

فيروز :
مسيحية لبنانية من الطائفة المارونية المتعصبة التي اشتهرت بقتل وذبح المسلمين اللبنانين السنة في الحرب الأهلية اللبنانية……….. وفي عز اشتعال الحرب وعام 1985 حضرت فيروز إلى مهرجان جرش وتقاضت مبلغ 300 ألف دولار في ذلك الوقت مقابل غنائها  , وفورا جيّرت الشيك الذي استلمته من إدارة المهرجان إلى حزب الكتائب اللبناني الذي أرتكب مذبحة صبرا وشاتيلا الرهيبة بحق الفلسطينيين.
أبنها غسان الرحباني (صاحب أو طبال فرقة الفور كاتس ) من كبائر القوى اللبنانية المسيحية ومطالب لخروج الفلسطينيين من لبنان وعودة سيطرة المسبحين على لبنان وذلك يظهر في أغانيه.

وسوف أقوم بالرد على هذا الكلام وإظهار كذبه , رغم قناعتي بان فيروز ليست متهمة حتى يتم الدفاع عنها. ولكن فقط من اجل الحقيقة والامانة , فأقول :
اولاً : فيروز لا تنتمي الى الطائفة المسيحية المارونية , بل الى طائفة اخرى وهي الارثوذكسية (رغم ان الانتماء الديني الى طائفة بعينها لا يعيبُ الانسان أبداً ).
ثانياً : قصة تبرّعها ب 300 الف دولار قبضتها من مهرجان جرش لصالح حزب الكتائب اللبناني لا أساس لها من الصحة بل هي كذبٌ صريح , لم تحصل, ولا يوجد عليها أي دليل بالمرة.
وفيروز لم تكن يوماً على وفاق مع حزب الكتائب ونهجه في لبنان. وقبل ثلاث سنوات أصرّت على الذهاب الى سوريا وأحيت حفلاً هناك رغم إلحاح حزب الكتائب المتحالف مع تيار الحريري عليها ألاّ تذهب. رفضت طلبهم وذهبت رغم أنفهم.
ثالثاً : غسان الرحباني ليس ابنها. بل هي لها ابن وحيد وهو زياد الرحباني. وابنها زياد هو من رموز الحركة الوطنية في لبنان , وهو شيوعي ثوري متشدد , ومن أقوى المؤيدين للشعب الفلسطيني وثورته. وقد كان منخرطاً في صفوف المقاومة الوطنية اللبنانية في ثمانينات القرن الماضي وهي التي كانت متحالفة مع فصائل الثورة الفلسطينية وناضلت الى جانبها وقدمت شهداء كثيرين في قتالها ضد حزب الكتائب المسيحي اليميني المتعصب.
رابعاً : وأما غسان الرحباني فهو ابن شقيق زوجها منصور. وهو أيضاً لا علاقة له من قريب ولا بعيد بحزب الكتائب. بل على العكس هو من خصوم حزب الكتائب وقد خاض الانتخابات البرلمانية على قائمة التيار الوطني الحر برئاسة ميشيل عون - عدوّ حزب الكتائب داخل مسيحيي لبنان.

وهكذا يتضح أن هجومهم على فيروز هو بلا أساس, بل يستند الى مجموعة من الأكاذيب التي يأملُ ملفقوها أن تنطلي على كثير من الناس.


وفي نفس الايميل المذكور هناك هجوم على غير فيروز ايضاً. وهذا كلامهم عن هيفاء وهبي :

هيفاء وهبي :
شيعيه من جنوب لبنان , من أسرة وهبي المعروفة بتشيعها المتطرف………  معظم أفراد عائلة وهبي كانوا ولا زال من منتمي حركة أمل الشيعية… هذه الحركة قتلت ما يزيد عن 150 ألف من أبناء سنة لبنان في الحرب الأهلية.. ولا زالت تحاصر وتقتل وتؤذي وتدمر إقتصاديا كل سني يعيش في جنوب لبنان.
الجدير بالذكر أن رغم التعري الكامل فهيفاء وهبي شيعية متعصبة..  ظهر ذلك جليا عندما زارت ستار أكاديمي حيث أبدت التصاقا غريبا بالشاب البحريني لأنه شيعي. كما أنه معروف عنها أنها تدعم كل فنان شيعي يظهر على الساحة اللبنانية.. ومعروف عن هيفاء العارية أنها تلبس لباس الشيعة في يوم عاشوراء وتذهب إلى الجنوب اللبناني إلى قريتها حيث تلطم الخدود مع اللاطمات بحجة الولاء للحسين رضي الله عنه……. (الحسين منها ومن الشيعة براء)

وانا لا اريد الدفاع عن هيفاء وهبي لأني لا اقدّرها ولا اعتبرها تستحق صفة فنانة بالمعنى الايجابي. كما لا توجد عندي معلومات تتعلق بحياتها الشخصية حتى اعلق على ما ورد بشأنها هي وعائلتها في ايميلهم. ولكني فقط ارغب في الاشارة الى نقطة مهمة هنا , وهي طريقة كلامهم عن طائفتها ( رغم اني لا أدري إن كانت حقاً تمتنمي الى الطائفة الشيعية في لبنان أم لا ؟ ). كلامٌ بذئ ينمّ عن تعصّبٍ مقيت! هكذا هم , لا مانع لديهم أن يسيؤوا الى ملايين البشر بكل صفاقةٍ وسَفه !  ويبدو من كلامهم ان سبب انحراف هيفاء وهبي هو طائفتها الشيعية ! وهذا عجيبٌ ومُعيب. هم يتناسون ملايين النساء المحترمات الشريفات العفيفات من الطائفة الشيعية ويشيرون الى هيفاء فقط كدليل على انحطاط طائفة باكملها؟! ماذا لو قال لهم قائل : ان الممثلة الساقطة الفلانية , أو العاهرة العلانية تنتمي الى الطائفة السنية ؟ هل تؤآخذ الطائفة السنية بأكملها على ذلك؟ أم يقولون انه لا توجد من طائفة السنة منحرفات ؟!
وما علاقة الامام الحسين بهيفاء وهبي وما تقوم به هيفاء وهبي؟ وما علاقة "شيعية" هيفاء وهبي بعُريها ؟ هل قال لها المذهب الشيعي أن تتعرى ؟
أيّ إسفافٍ هذا ؟ هبوط فكري وحضاري فظيع.  


وهذا رابطٌ لمن شاء أن يطلع على كلامهم من أحد مواقعهم:
http://fagrelnour.yoo7.com/t688-topic

الأحد، 2 أكتوبر 2011

فقهاءُ السلاطين : طاعة الحاكم بَرّا كان أو فاجراً


عادة ما يوحي مصطلح "من فقهاء السلطان" بمضمون سلبي جداً تجاه رجل الدين الذي يُنعتُ بهذا الوصف. فهو يوحي بأن ذلك "الفقيه" قد جعل ولاءه للحاكم وسخّرَ نفسَهُ وعِلمَهُ لخدمة السلطان القائم ولو على حساب الدين نفسه. والمصطلحُ ذاته يوحي ايضاً بأن "الفقيه" ذاك قد خالف الشرع وخان الامانة حين جعل من نفسه وسيلة يستعملها السلطانُ الظالمُ للحصول على غطاء شرعيّ مزيّف لحُكمِهِ الاستبداديّ وسلوكِهِ الفاسد.
وذلك كله صحيح, وهو سبب الكراهية الشعبية الواسعة النطاق لذلك النوع من "الفقهاء" . فالناسُ تزدريهم وتمقتهم , بقلوبها على الأقل إن لم يكن بألسنتها وأفعالها.

ولكن يوجد إشكالٌ هنا. والإشكالُ يكمن في ما أسمّيه "
أحاديث الطاعة العمياء " ! فهناك عددٌ كبير من الأحاديث النبوية التي هي ببساطة تطالب المؤمنين بطاعة السلطان – بدون قيود, ومهما كانت الظروف .

ومن تلك الاحاديث:

عن عبادة بن الصامت قال : " دعانا النبي(ص) فبايعناه. فقال فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا و وعسرنا ويُسرنا, وأثرة علينا, وأن لا ننازعَ الأمرَ أهلَه, إلاّ أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان" - صحيح البخاري كتاب الفتن.
وأيضاً " مَن كره من أميره شيئا فليصبر فانه مَن خرج من السلطان شِبراً مات ميتة جاهلية" - صحيح البخاري كتاب الفتن.
وروى أبو هريرة أن النبي(ص) قال " مَن أطاعني فقد أطاع الله. ومَن يعصِني فقد عصى الله. ومن يطع الأميرَ فقد أطاعني, ومَن يعصِ الأميرَ فقد عصاني" - صحيح مسلم كتاب الإمارة
وروى البخاري ايضا في كتاب الفتن , عن عبد الله " قال لنا رسول الله(ص) : إنكم سترونَ بعدي أثرة وأموراً تنكرونها. قالوا : فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال : أدّوا إليهم حقهم وسَلوا الله حقكم"
وروى مسلم في كتاب الامارة عن رسول الله (ص) انه قال "يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي, ولا يستنّون بسنّتي. وسيقوم فيهم رجالٌ قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس. قال : قلتُ : كيف أصنعُ يا رسول الله إن أدركتُ ذلك؟
قال :
تسمع وتطيع للأمير وإن ضرَبَ ظهركَ وأخذ مالكَ, فاسمع وأطِع"


فما معنى هذه الأحاديث؟

الظاهرُ من هذه الاحاديث ان المسلم مطلوبٌ منه أن لا ينازع السلاطين, مهما صدر منهم من بغي وظلمٍ وفساد, إلاّ إذا رأى الكفرَ البُواح!
وبما أنه لا يمكن تصوّر أن يأتي حاكمٌ لبلادٍ إسلامية ليقول علناً عن نفسه بأنه كافر, فالنتيجة تكون أن على الفرد المسلم طاعة الحاكم على الإطلاق.
والمطلوبُ من المسلم أن لا يثورَ ويتمردَ, مهما حصل, وأن يكتفي بالدعاء إلى الله أن يهدي الحكام إلى الحق.
والمسلم المثالي هو المطيع للحاكم, الخاضعُ لأمره, المخلصُ له.
وعلى المسلم الصبر , لا أكثر, في مواجهة ما يراه من غَصبٍ للحقوق وظلمٍ للعباد.

استغلال هذه الاحاديث :

وطبعاً كانت هذه الأحاديث ذخيرة مهمة لكل مَن شاءَ أن يُنظّر لمهادنة الحكام والتبعية لهم.
فقد روى الشيباني في السير الكبير " وعن جماعةٍ من الصحابة رضوان الله عليهم قالوا : إذا عَدلَ السلطان فعلى الرعية الشكر. وإذا جارَ فعلى الرعية الصبر, وعلى السلطان الوزر".
وبالتالي كان موقف فقهاء السلطة وفتواهم للرعية هو بالسمع والطاعة لأولي الأمر كان مَن كانوا, برّهم وفاجرهم. ومَن خرج على إمام من أئمة المسلمين وقد كان الناس اجتمعوا عليه وأقرّوا له بالخلافة بأي وجهٍ كان, بالرضى أو بالغلبة, فقد شقّ هذا الخارج عصا المسلمين وخالف الآثار عن رسول الله(ص). فان مات الخارج عليه, مات ميتة جاهليّة. ولا يحلّ قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحدٍ من الناس. فمَن فعل ذلك فهو مبتدعٌ , وعلى غير السنة والطريق.
فمن اغتصب الحكم, بالقهر والغلبة, أو بأي وسيلة أخرى, أصبحَ حاكماً شرعياً على المسلمين طاعته, وبإخلاصٍ, مهما فعلَ وعمِل ما دام يُظهر الإسلام.

وقال ابن تيمية في منهاج السنة :
" أهل السنة يخبرون بالواقع، ويأمرون بالواجب، فيشهدون بما وقع، ويأمرون بما أمر الله ورسوله، فيقولون هؤلاء هم الذين تولوا، وكان لهم سلطان وقدرة، يقدرون بها على مقاصد الولاية ، من إقامة الحدود ، وقسم الأموال ، وتولية الولاية ، وجهاد العدوّ، وإقامة الحج والأعياد ، والجُمَع وغير ذلك من مقاصد الولاية ....
ومن المعلوم أن الناس لا يصلحون إلا بولاة ، وأنه لو تولى مَن هو دون هؤلاء من الملوك الظلمَة لكان ذلك خيراً من عدمهم ....
كما يقال ستون سنة مع إمام جائر خيرٌ من ليلة واحدة بلا إمام...
والناس لا يمكنهم بقاء أيام قليلة بلا ولاة أمور ، بل كانت أمورهم تفسد...
فأهل السنّة يقولون: الأميرُ والإمامُ والخليفة ذو السلطان الموجود ، الذي له القدرة على عمل مقصود الولاية ....
ويقولون أنه يُعاون على البر والتقوى ، دون الإثم والعدوان ، ويُطاع في طاعة الله دون معصيته ، ولا يُخرَجُ عليه بالسيف ، وأحاديث النبي (ص) إنما تدل على هذا ... فجعلَ المحذورَ هو الخروجُ عن السلطان ومفارقة الجماعة, وأمرَ بالصبر على ما يُكره من الأمير, لم يخص بذلك سلطاناً معيناً ولا أميرا معينا ولا جماعة معينة"

اذن كيف نحاجج فقهاء السلاطين ؟

لا بد اولاً من الاعتراف بان "فقهاء السلاطين" لديهم حُجة. بل وحجّة قوية ايضاً. فهم يرجعون الى أحاديث نبوية موجودة في صحيحي البخاري ومسلم لتبرير موقفهم المؤيد للحاكم . ورأينا كلام ابن تيمية.

وللرد على دعوى هؤلاء الذين يتخذون تلك الاحاديث ذريعة للارتماء في احضان الملوك والحكام نقول :

أولاً : لا بد من اخذ مناسبة صدور الحديث بعين الاعتبار , وتدبرها قبل التعميم في الحكم. إذ ربما تكون بعض تلك الاحاديث التي تحض على طاعة الامير وتشدد عليها قد صدرت أثناء توجيه رسول الله (ص) لبعض بعثاته الحربية وسراياه التي كانت تنطلق لمواجهة قريش أو غيرها من قبائل العرب. فيكون الكلام عندها لعامة الجنود المسلمين بضرورة طاعة القائد المعيّن عليهم "الامير" حتى لا يحدث شقاقٌ وخلافٌ داخل صفوف الجيش أثناء المعركة. فالتشديد على الطاعة عندئذ امر ممكن فهمه خاصة وأن العرب قبل الاسلام كانوا قبائل متفرقة ولم يعرفوا الانضباط والتنظيم المركزي.

ثانياً :
مجرد وجود تلك الاحاديث في صحيح البخاري أو مسلم لا يعني بالضرورة حتمية صدورها عن النبي(ص). إذ لا يوجد نصٌ صحيحٌ كله سوى كلام ربنا في القرآن , وما عداه فهو جهدٌ بشريٌ يجوز عليه الخطأ والزلل والنقص. وليس في ذلك انتقاصٌ من البخاري أو مسلم , بل انهما بذلا جهداً فائقاً لانجاز صحيحيهما يُقدّر لهما ويُحمدان لأجله. ولكن لا يجوز ادعاء الكمال لهما.

ثالثاً : اننا نلمحُ
أصابع الحكام وبصماتهم في إخراج تلك النوعية من احاديث الطاعة العمياء. فليس هناك ما يمكن لهم أن ينسبوه الى الرسول(ص) لتثبيت حكمهم الظالم أفضل من هذه الأحاديث ! وأنا أشير بالتحديد الى ملوك بني امية الذين استولوا على الخلافة بالقوة والقهر, وذلك بعد فترة الخلفاء الراشدين مباشرة, فحوّلوا الاسلام الى مُلكٍ عضوض , واستمر حكمهم بحدود 90 عاماً.
وفي كل زمان وُجد اتباع السلاطين الذين لا هم لهم الا الدفاع عن اولياء نعمتهم فلم يتورعوا حتى عن
تفصيل الاحاديث على مقاس الحاكمين من اجل إسكات كل منتقديهم على أساس أن تلك هي إرادة الله ورسوله. وانا اسوق مثلاً صارخاً على ذلك من سنن الترمذي : فعندما انتقد الناسُ والي البصرة الاموي عبد الله بن عامر بن كريز, على لبسِه ما رقّ ولان من الثياب, خلافاً لرعيته, انبرى أتباع الوالي للردّ عليهم ,على النحو التالي (النص) :
" ... كنتُ مع أبي بكرة تحت منبر ابن عامر وهو يخطب وعليه ثيابٌ رقاق.
فقال أبو بلال : أنظروا إلى أميرنا يلبس ثياب الفسّاق!
فقال أبو بكرة : أسكت ! سمعتُ رسول الله(ص) يقول : مَن أهانَ سلطانَ الله في الأرض أهانه الله"
فالوالي , عبدالله بن عامر بن كريز, صار اذن سلطان الله على الأرض, ولا تجوز إهانته أو انتقاده!
ولكن
كيف يمكن لملوك بني أمية ان "يتسللوا" الى صحيحي البخاري ومسلم؟ والجواب : ان الحكام , بذكائهم ودهائهم, كانوا حريصين على التواصل مع الذين يتصدون لرواية أحاديث النبي(ص), لما لذلك من اهمية بالغة في الحصول على الشرعية وتثبيت أركان حكمهم. والحالة الابرز التي يمكن الاشارة اليها في هذا السياق هي الرواي المشهور محمد بن شهاب الزهري. فالزهري من أهم حلقات سلاسل رواة الحديث المعتمدين لدى البخاري ومسلم. وقد عاش في زمان بني امية وذاع صيته حتى قرّبه بنو امية ووثقوا صلاتهم به. وقد ذكر اهل التراجم وأصحاب التاريخ أن عدة خلفاء تعاقبوا على الاحسان اليه وتكريمه : فقد منحه عبد الملك بن مروان الأموال وأمرَه بالتفرغ للدراسة, ومن بعده عينه سليمان بن عبد الملك مستشاراً له, وبعد ذلك أصبح سميراً للخليفة عمر بن عبد العزيز, ومن ثم قاضياً ليزيد بن عبد الملك, إلى أن قربه هشام بن عبد الملك أخيراً وجعله مؤدباً لأولاده. وانا أرغب هنا في اثبات نص رسالة رائعة كتبها رجلٌ ناصحٌ الى الزهري لمّا ثارت حوله الشبهات بسبب ارتباطاته العميقة مع ملوك بني أمية , كما أوردها ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة:
" ... فقد أصبحتَ بحالٍ ينبغي لمن عرفك أن يدعو الله لك ويرحمك.
... فقد أصبحتَ شيخاً كبيراً وقد أثقلتكَ نِعمُ الله عليك....
وليس كذلك أخذ الله الميثاقَ على العلماء. فإنه تعالى قال ( لتبيّننّهُ للناس ولا تكتمونه) . واعلم أن أيسرَ ما ارتكبتَ , وأخفّ ما احتملتَ, أنك آنستَ وحشة الظالم, وسهّلتَ سبيل الغيّ, بدنوّكَ إلى مَن لم يؤدّ حقاً ولم يترك باطلاً حين أدناك.
اتخذوك – أبا بكر – قطباً تدور عليه رحا ظلمهم وجسراً يعبرون عليه إلى بلائهم ومعاصيهم , وسلّما يصعدون فيه إلى ضلالتهم. يُدخِلون بك الشك على العلماء , ويقتادون بك قلوبَ الجهلاء .... "

رابعاً : من حيث المبدأ
لا يمكن التصديق أن النبي(ص) الذي أرسله الله ليهدي البشرَ وينير لهم دروبَ الحق, يمكن أن يوصي المؤمنين بقبول حكم القهر والظلم والفساد, لأن ذلك ضدّ النبوّة ذاتها . 
وهناك احاديث نبوية اخرى أقرب الى القلب والوجدان, خلافاً لأحاديث الطاعة العمياء التي ذكرناها. ومن أبرزها ما رواه الترمذي في سننه من كلام لرسول الله (ص) يحثّ به على مواجهة الظالمين وعدم مداهنتهم :
" إن من أعظم الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر ".

خامساً : وحتى القرآن الكريم ذاته يؤكد على ضرورة التبرّي من أعداء الله والتولي لأوليائه. وقد لعن الله سبحانه في القرآن الظالمين والكافرين والكاذبين والطغاة والجبارين. وقال عز وجل وهو يتحدث عن الذين يكتمون ما انزل الله من البينات والهدى "اولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون