الأحد، 21 سبتمبر 2014

المسلم الذي لا يصلي


الشيخ العلامة ابن عثيمين هو من أكبر رموز وعلماء السلفية الوهابية في القرن العشرين, حتى ان هناك قناة فضائية ( تحمل رقم 1 بين مئات القنوات على نايل سات!) خاصة لبث فقهه وفتاواه.
  ولنلاحظ مدى قسوة الحكم الذي يصدره . أدعوكم القارئ الكريم الى قراءة السؤال رقم 40 ( من مجموع فتاويه المطبوعة والمنشورة من قبل دار الثريا - الجزء 12 ) والجواب عليه .
المسلم الذي لا يصلي فهو كافر وخارج الملّة , وجب أن تطلّق منه زوجته , ولا يكفّن ولا تصلى عليه الجنازة!







لم يتردد الشيخ الكبير في اطلاق وصف الكفر . لم يقل عن الرجل : لعلّه مقصّر , لعلّه متكاسل , لعلّه متشكك ,,, لم يقل عنه " عاصي " ولا " فاسق " , بل " كافر "  ولا شيء سوى " كافر " ! لم يقل لنقبل منه ظاهره وما يقوله بلسانه ولنترك باطنه الى الله يحكم فيه , كلا بل حكم عليه وانتهى الأمر

وهذه النزعة التكفيرية هي من أهم مميزات السلفية الوهابية , ويشترك بها جناحاها : الجهادي المتمرد والمسالم المطيع للحكام!
*******




وبمناسبة الكلام الذي نشرته أعلاه بشأن الشيخ ابن عثيمين وفتواه بأن الذي لا يصلي كافر وخارج الملّة , وجب أن تطلّق منه زوجته , ولا يكفّن ولا تصلى عليه الجنازة,,,, وصلتني رسالة عتاب (واتهام) من أحد الاصدقاء!
وملخص ما يقوله المرسل : ان الشيخ ابن عثيمين ليس مبتدعاً ولا ينطق بالهوى , بل هو دائماً يستند الى حجج شرعية قوية ومعتبرة في آرائه وفتاواه ,,, وكان ينبغي عليك لو كنتَ منصفاً أن تبيّن الوجه الشرعي الذي استند اليه الشيخ الكبير في فتواه , وليس فقط أن تذكر الحُكم بقصد التشنيع عليه.
وأجيبُ : أنا نشرتُ نص فتوى الشيخ كاملاً بدون اقتطاع ولا تلاعب. وهي مطبوعة ومنشورة ويمكن لمن شاء الرجوع اليها بسهولة. وقد نشرتُ الصفحتين وبهما نص السؤال والجواب بتمامهما.
*******
وأجدها فرصة لكي استرسل وأستفيض بشأن هذا الموضوع المهم , والذي في الحقيقة ينقلنا الى قضيةٍ أعمّ : هل الايمانُ اعتقادٌ في باطن القلب ونطقٌ باللسان أم انه يتطلبُ العملَ ايضا ؟ باختصار : هل الايمانُ تصديقٌ واعتقاد أم تصديقٌ وعمل معاً؟ هل يشترط في الانسان لكي يكون مسلماً أن يقوم بأعمال معينة , عبادات أو التزام اوامر و نواهي مثلا , أم يكفي ما يقوله بلسانه ويُترك ما يبطنه بقلبه الى الله ليحكم فيه ؟؟
واضح تماما ان العلامة ابن عثيمين ( وهو طبعا ينطق بلسان تيار السلفيّة في الماضي والحاضر ) حاسمٌ في رأيه : من لايصلي فهو كافر . انتهى الأمر .
ولكني اقول : ان الامر ليس بتلك السهولة بل أعقد من ذلك بكثير.
*****
وفي فتواه لم يذكر العلامة ابن عثيمين الاساس الشرعي الذي استند اليه في تكفير المسلم الذي لا يصلي وإخراجه من الملة. ولذلك سوف أجتهد انا في تبيان ذلك:
الارجح ان يكون أهم دليل شرعي استند اليه الشيخ ابن عثيمين هو الحديث الوارد في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله عن رسول الله (ص) انه قال ( بين الرجلِ وبين الشركِ والكفرِ تركُ الصلاة ). وهذا الحديث يدعم حجة ابن عثيمين في تكفير تارك الصلاة على الاطلاق لأنه لم يقل تارك الصلاة عمدا أو جحودا بل جاء اللفظ بلا تقييد.
ولأن البحث في موضوع الاحاديث يطول ويتشعب , فسوف اقتصر في هذه العجالة على صحيح مسلم حتى نتجنب قضية اختلاف المصادر ودرجة قوتها وضعفها . أي اننا سنتكلم من صحيح مسلم ايضا وهو الذي استندت اليه فتوى ابن عثيمين.
سنجد في صحيح مسلم عدة أحاديث تخالف حديث تكفير تارك الصلاة الذي أشرنا اليه . وهذه أهمها :
 حديث عثمان بن عفان عن رسول الله (ص) انه قال ( من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة ).
حديث معاذ بن جبل عن النبي (ص) انه قال ( ما من عبد يشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا عبده ورسوله , إلاّ حرّمه الله على النار ).
حديث ابي هريرة أن النبي (ص) أرسله ليبشّر كل من لقيه وهو ( يشهدُ ان لا اله الا الله مستيقناً به قلبه ) بالجنة .
حديث عبادة بن الصامت ان النبي (ص) قال ( من شهد ان لا اله الاّ الله وأن محمدا رسول الله , حرّم الله عليه عليه النار ).
وايضا حديث أبي ذر الغفاري انه سمع رسول الله (ص) يقول :
(ما من عبدٍ قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة.
 قلتُ: وإن زنى وإن سرق ؟
قال: وإن زنى وإن سرق!
 قلتُ : وإن زنى وإن سرق؟
 قال وإن زنى وإن سرق. ثلاثاً. ثم قال في الرابعة : على رغم أنف أبي ذر   ).

اذن لدينا مجموعة من الاحاديث من نفس صحيح مسلم ومروية عن عدة صحابة كلها تؤكد نفس المعنى : وهو ان الايمان مسألة قلبية وليست مرتبطة بالعمل . وهذا طبعا يخالف حديث (بين الرجلِ وبين الشركِ والكفرِ تركُ الصلاة ) . 
وكثرة الاحاديث التي تشترط الاعتقاد القلبي فقط كدليل على الايمان وتنوّعها تجعلها مرجّحة على حديث جابر بن عبد الله. وحديث ابي ذر بالذات لافتٌ للنظر ! فأبو ذر لا يكاد يصدّق ما يقوله الرسول (ص)  وما يظهره من تساهل تجاه شروط الايمان الى حد أنه يراجعه في ذلك ثلاث مرات مما دفع النبي (ص) الى القول له ( رغم انف ابي ذر )! واضح أن أبا ذر كان يريد وضع شروطٍ على تعريف المؤمن , كضرورة اجتناب الكبائر على الاقل , ولكنّ الرسول(ص) رفض , وبإصرار.
******
وبناء على ما سبق , أميلُ الى الاعتقاد ان تصنيف الانسان كمؤمنٍ او كافر مسألة يرجع الحكم فيها الى الله عز وجل. فهو وحده الذي يحكم على ما في قلوب المسلمين وضمائرهم. وبالتالي لا يجوز ابدا إخراج شخصٍ من خيمة الاسلام الواسعة الاّ اذا هو أعلن ذلك. وأما من يقول بلسانه انه مسلم وينطق بالشهادتين فلا يحق لأحدٍ أبدا أن يقول عنه " كافر " . حتى لو ارتكب المعاصي والكبائر يبقى مسلماً ما لم يقل هو بنفسه انه غير مؤمن بالاسلام.

بقيت عندي نقطتان :
أولا : حديث (بين الرجلِ وبين الشركِ والكفرِ تركُ الصلاة) الذي يستند اليه دعاة التكفير ليس بالضرورة أن يكون باطلاً. بل ربما يكون هناك وجه لتأويله : فقد يكون النبي (ص) اراد التشديد على أهمية الصلاة فاستخدم لفظ ( الشرك والكفر) من قبيل التغليظ على من يتركها والتأكيد على أهميتها. ومن ذلك ايضا قوله (ص) : (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر ) , فمعروف ان القتال بين المسلمين لا يقتضي كفرهم , والرسول (ص) ذكر الكفر من أجل التشديد في النهي, فكأنه يقول : اذا تقاتلتم ايها المسلمون فستصبحون بفعلكم الشنيع هذا كالكفار.
فاطلاق لفظ الكفر على فعل ما لا يقتضي حتماً أن يؤخذ بظاهره.
ثانيا : ان الرأي الشائع بين مذاهب اهل السنة الاربعة يمكن تلخيصه كما يلي : اتفق الشافعية والمالكية والاحناف بأن تارك الصلاة تهاونا او كسلا او لأي سبب كان غير الجحود لا يُكفّر.
وحده الامام احمد بن حنبل قال بكفر من ترك الصلاة على الاطلاق. ومعروف طبعا ان الوهابية والسلفية عموما ترجع الى ابن حنبل في الاصل. ولذلك لا غرابة في رأي ابن عثيمين فهو قديم , ولكنه عبّر عنه بشكل صارخ وصادم.