الأحد، 29 مايو 2011

لو قدّر لتيار "المعتزلة" في شرقنا الاسلامي أن ينتصر .....


في أواخر العصر الاموي ظهر في البصرة ما صار يعرف لاحقاً باسم فرقة "المعتزلة". ويقال ان سبب  التسمية كان بسبب اختلافٍ في الرؤى والمواقف بشأن قضايا فقهية وعقائدية حصل بين العالم المشهور الحسن البصري وبين أحد تلامذته الأذكياء وهو واصل بن عطاء الذي قام وترك حلقة الدرس الذي كان يقيمه الحسن في المسجد وأنشأ حلقة خاصة به, فقال الحسن البصري " اعتزلنا واصل" ومن هنا بدأت تسمية تلك الفرقة التي سيكون لها شأن بين المسلمين في القرون التالية.
ويمكن تلخيص فكر المعتزلة واختزاله في عبارة واحدة: العقل. فأهم مبدأ معتزلي وما يميزهم عن غيرهم هو أن العقل هو طريق الوصول إلى الحقيقة, حتى لوكانت حقيقة الدين والايمان.  فالمعتزلة رأوا ان عقل الانسان سوف يدله على خالق هذا الكون  وانه يمكن اثبات النبوة والوحي والجنة والنار ومبادئ الاسلام عن طريق العقل والمنطق. والمعتزلة رفضوا أن يكون الدين مجرد نصوص يتم تلقينها للمؤمنين الذين يقتصر دورهم على أن يحفظوها ويرددوها. وهم قالوا ان الله خلق الانسان ومنحه العقل ليفكر به ويتدبّر , وأن الاسلام هو دين الحجة والعلم والمنطق وليس دين الجهل والخرافة. 
وهناك من الباحثين من يعتقد أن الداعي لظهور هذه الفرقة كان الظرف الحضاري و التاريخي الذي كان يمر به الاسلام. فعند نهاية القرن الهجري الأول كان الاسلام قد توسع ودخلت فيه أمم عديدة وشعوب كثيرة , ودخلت معها ثقافات مختلفة ودخلت الفلسفة , ولم يعد المنهج النصي التقليدي النقلي يفي حاجات المسلمين العقلية في جدالهم. فالمنهج الذي صار يصلح لذلك هو المنهج العلمي العقلاني والذي مثله المعتزلة وأصبح أهم المذاهب الكلامية التي تتولى الدفاع عن الاسلام أمام هجمات متكلمي الأديان الأخرى والملحدين والزنادقة.
 ومن أهم مبادئ المعتزلة التنزيه المطلق للخالق عز وجل : فالله "ليس كمثله شيء" , فلا تشبيه ولا تجسيم لأن الله مُنزّه عن أن يكون مثل الأجسام أو الموجودات الحسية . وهم ينفون أي تشبيه بين المخلوقات والله، والآيات القرآنية التي تفيد التشبيه لا يقبلها المعتزلة على ظاهرها بل يقومون بتأويلها مثل "ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام" فيخرجون المعنى الظاهر لكلمة (وجه) ويقولون أن المقصود بها الذات.وأجمع المعتزلة على أن الله لا يرى بالأبصار لا في الدنيا ولا في الآخرة، لأن في إثبات الرؤية إثبات الجهة لله , وهو منزه عن الجهة والمكان، وتأولوا قول القرآن:{وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} أي منتظرة. وهكذا اوجبوا تأويل كل الآيات المتشابهة.
ويؤمن المعتزلة أن الله عز وجل قد خلق "نواميس الكون", وهي بلغتنا الحديثة قوانين الطبيعة, التي يسير عليها كل شيئ في هذه الدنيا, وأن الله لا يمكن أن يتدخل لينقضَ نواميسَ الكون التي وضعها هو. ومعنى ذلك أن خوارق الطبيعة لم ولن تحصل لأنها لو حصلت لاضطرب نظام الكون كله ولكان ذلك ضد ارادة الله الكونية. ومن هذا المنطلق العقلاني رفض المعتزلة التسليم بأن المعجزات الواردة في القرآن قد حصلت في الحقيقة حسب ظاهر النص , بل قالوا بضرورة تأويلها , بما لا يتناقض مع أسسس العلم والمنطق وبشكل ينسجم مع روح النص القرآني. ومثالٌ على ذلك الطير الأبابيل والتي تحمل حجارة من سجيل قذفتها على جيش أبرهة الأشرم : لا يعني ذلك أنه بالفعل قد جاءت طيور عملاقة ( لا تعرف العرب كلمة "أبابيل" ) تحمل حجارة نارية مشتعلة (كلمة "سجيل" ليس لها علاقة بالنار من حيث الاساس اللغوي العربي) لتحرق بها القوات التي هاجمت مكة. فالذي حصل بالفعل أن جيش أبرهة قد تعرض الى كارثة من نوع ما : ربما تفشى بين صفوفه مرضٌ معدٍ وفتاك, أو ربما حصلت ظروف جوية فظيعة (طوز عظيم ورمال وعواصف) مما أدى الى هزيمة الجيش وتراجعه أو القضاء عليه. فجاء النص القرآني ببلاغته الفريدة ليعبر عن تلك الواقعة بالطير الابابيل التي تقذف حجارة من سجيل  دون أن يعني ذلك حصولها بالفعل على ذلك الوصف.
ويرى المعتزلة أن الإنسان حرٌ في أفعاله . وهم يقولون ذلك لكي يدافعوا عن التكليف الشرعي لأن الإنسان المسلم مكلف شرعاً والإنسان مسؤول عن هذه الأفعال حتى يستقيم التكليف ويكون الثواب عدلاً والعقاب عدلاً. خلافاً لرأي الجبرية الذين يعتقدون أن الأفعال من خلق الله والإنسان مجبورٌ عليها. فالمعتزلة ترى أن عدل الله يقتضي أن يكون الإنسان هو صاحب أفعاله, وبالتالي يرفضون أن ينسب الانسان ما يحصل معه من مشاكل وصعوبات أو ما يتعرض له من ظلم وقهر الى مشيئة الله وارادته. فالقول بالعدل الإلهي يترتب عليه أن الله لا يفعل الشر , فأفعال الله كلها حسنة وخيرّة، والشر من عند الانسان , والرب تعالى منزه أن يضاف إليه شر وظلم وفعل هو كفر ومعصية؛ لأنه لو خلق الظلم كان ظالمًا كما لو خلق العدل كان عادلاً.
أي ان المعتزلة في كل آرائهم أرادوا أن يزيلوا التناقض بين العقل والعلم من جهة والدين من جهة أخرى. وذلك أمرٌ في غاية الأهمية لأنه يعني أن الانسان الواعي, الذكي والمفكر لن يكون مضطراً الى الاختيار بين الاثنين, وسوف لن يُجبر على الايمان بما لا يقبله عقله ولا تصدق به نفسه من أجل أن يكون مسلماً.

المعتزلة في التاريخ :

 ومن ناحية تاريخية برز مجموعة من العباقرة كقيادات للمعتزلة تولت مسؤولية الدفاع عن الاسلام والمحاججة عنه على الصعيد الفكري في مواجهة الدعاة المسيحيين وحاخامات اليهود, بالاضافة الى الدهرية ودعاة الالحاد.  ومن أبرز شخصيات المعتزلة ابو الهذيل العلاف والنظّام والجاحظ وابن ابي الحديد والقاضي عبد الجبار.
وكانت القضية التاريخية الأبرز التي تعلقت بفرقة المعتزلة , واشتهرت وذاعت, هي قضية " خلق القرآن". وقد سببت لهم هذه القضية أذى كبيراً وتعرضوا بسببها الى الكثير من التجني والافتراء. وترجع هذه القضية في أساسها الى الجدال الفكري الذي خاضه رموز من المعتزلة مع قسّ مسيحيّ من الشام يدعى " يوحنا الدمشقي". ويوحنا هذا كان يخوض جدالاً لاهوتياً ومناظرات فكرية ضد الاسلام, وكان ذكياً وواسع الاطلاع. وفي معرض احتجاجه على المسلمين كان يستخدم الآية القرآنية التي تذكر ان المسيح عيسى بن مريم هو "روح الله وكلمته" ليستدل بها على ألوهية المسيح. فكان يوحنا يقول ما دام أن القرآن يقر بأن المسيح هو كلمة الله فلا بد إذن أن يكون ذا طبيعة الهيةٍ غير بشرية, لأن كلام الله صفة ملازمة له, لا تنفصل عن ذاته, والمسيح بالتالي قديم كقِدم الله. فردّ عليه المعتزلة  بالقول أن القرآن كلام الله وأنه مخلوقٌ أو حادثٌ, أي أنه وُجد بعد أن لم يكن موجودا وتكلم الله به بعد لم يكن متكلما. والكلام صفة الفعل وليس صفة للذات, وبالتالي تكون حجة يوحنا باطلة. ومن هنا كان تأكيدهم على ان القرآن مخلوق, وليس صفة قديمة لذات الله.
 وطبعاً لم يكن عامة المسلمين يدركون سبب اهتمام المعتزلة بهذه القضية وتشديدهم على على ان "القرآن مخلوق" . والفقهاء التقليديون , والسلفيون منهم بالتحديد, كانوا يزدرون المعتزلة ويمقتونهم من حيث المبدأ. فالخطاب السلفي يعتبر العقل البشري عاجزاً عن إدراك المقاصد الالهية العظيمة وبالتالي لا يجوز إعمال العقل للنظر في أمور الدين والايمان. كره السلفيون – ولا يزالون يكرهون-  المتكلمين والفلاسفة واهل المنطق ورفضوا الخوض في كلامهم لأن المسلم بنظر السلفيين عليه فقط أن يتلقى نصوص القرآن والسنة كما هي , وياخذها على ظاهرها ولا يتجاوز. وبالتالي أثبت السلفيون لله صفات الجسم فقالوا ان له يداً , وعينيين, وعرشاً وووو . ورغم أن معظم السلفيين أضافوا بأن صفات جسم الله ليست بالضرورة مثل صفات جسم الانسان ( حسب قولهم : الكيف مجهول) إلاّ أن ذلك طبعاً لا يكفي لردّ تهمة التجسيم والتشبيه عنهم.  وبما ان السلفيين لا يكترثون كثيراً بما يقوله رهبان النصارى وما يسوقونه من حجج, فلم يلقوا بالاً لما يقوم به المعتزلة من تصدّ فكريّ لهؤلاء ورفضوا الاقرار مع المعتزلة بأن القرآن مخلوق. هم في الحقيقة لم ينفوا بأن القرآن مخلوق بل كان موقفهم هو رفض الخوض في الموضوع أصلاً, والاكتفاء بالقول ان القرآن هو كلام الله دون تحديد إن كان مخلوقاً أم صفة قديمة لله. وأصر السلفيون ورئيسهم أحمد بن حنبل على موقفهم ذاك واعتبروا الخوض في مسالة خلق القرآن "بدعة".
وبقيت هذه القضية متداولة في الاوساط الفكرية الى أن جاء الخليفة العباسي المامون الذي كان محباً للعلم ومؤمناً بالعقل, وأنشأ مكتبة "دار الحكمة" العملاقة في بغداد. والذي حصل أن المأمون اقتنع برأي المعتزلة في قضية خلق القرآن. ودائماً حين تتدخل السلطة في شؤون الفكر فهي تفسد أكثر مما تصلح! وهذا ما حصل مع المأمون الذي قرر أن يجبر الناس على الاعتقاد بخلق القرآن! و"وامتُحِن" الكثيرون أمام المأمون حتى صار الأمر يُعرف بفتنة خلق القرآن!  وكان ممن امتحنوا الإمام أحمد بن حنبل الذي رفض الرضوخ لأوامر المأمون والإقرار بخلق القرآن، فسُجن وضُرب بالسياط في عهد المعتصم بعد وفاة المأمون، وبقي في السجن مدة عامين ونصف ثم أعيد إلى منزله. وهذا الموقف أكسب ابن حنبل شعبية ورفع من مكانته بين الناس الذين رأوه صامداً قبال السلطة الظالمة التي تريد ان تفرض رأي المعتزلة بالقوة! وطبعاً تلطخت سمعة المعتزلة بسبب سلوك المأمون والمعتصم الذين ارادا نصرة رأيهم فتسببا في اضعافه! ولا يمكن أن يُنسب موقف الخليفتين الى فرقة المعتزلة. فالمعتزلة أهل فكر ومنطق , وجدال وحجة, ولا يمكن أن يقروا إرغام الناس على معتقداتهم ولا أن يؤيدوا البطش والقهر الذي تمارسه السلطة الحاكمة.
وللحقيقة أقول ان رجلاً من المعتزلة اسمه احمد بن ابي داود قد تواطأ مع الخليفة المأمون وساعده في سعيه لامتحان الناس على خلق القرآن. ولكن هذه كانت حالة فردية لرجلٍ ركب موجة السلطة, ومن الظلم أن يُقرن عموم المعتزلة بسلوك أحدهم ممن مال الى السلطة على حساب المبدأ.
وعلى كل حال فقد انتهت "الفتنة" سريعاً لما تولى المتوكل الخلافة عام 232هـ فأظهر "الانتصار للسُّنَّة"، وأمرَ بمنع الناس من الخوض في مسألة الكلام، والكفِّ عن القول بخلق القرآن، وتوعّد من تعلّم علم الكلام أو تكلم فيه بالويل والثبور، وأمر الناس أن لا يشتغل أحد إلا بالكتاب والسنة لا غير، وأمر بإكرام الإمام أحمد بن حنبل إكرامًا عظيمًا وقتل الكثيرين من رموز المعتزلة.
وبعد ذلك دأبت الحكومات المتعاقبة على "ترتيب" امورها مع تيار الفقهاء التقليديين , فاعتمدتهم كمرجعية دينية للدولة ومنحتهم المزايا مقابل تأييدهم للسلطان الحاكم. وطبعاً كان المعتزلة هم الضحية لأن فكرهم تم استبعاده ومحاربته بأمر من تحالف السلطة الحاكمة مع تيار الفقهاء التقليديين. وتم ترسيخ كل مقولات ابن حنبل وتياره السلفي الرافض لمنهج العقل والعلم الى يومنا هذا.

وانا أقول انه لو استمرّ تيار المعتزلة ونما, وتابع انشاره في بلاد المسلمين , ولو لم تتم محاربته وطمس آثاره من قبل السلطات المتعاقبة التي وطّدت أركان فكر الخرافة والظلام, لكانت الثورة العلمية والصناعية قد حصلت عندنا , وفي بلادنا, وليس في اوروبا! ولكانت النهضة الحضارية الكبرى قد بدأت لدينا نحن قبل أوروبا بعدة قرون!  ولما كنا اليوم نرى الكثيرين من المسلمين مشغولين بأمور الجن والعفاريت في القرن الحادي والعشرين! ولما كنا نجلس خاملين ونكتفي بالدعاء الى الله لكي يتدخل ليهزم أعداءنا ويحرر بلادنا ,دون أن نفعل شيئاً مفيداً . ولما كنا  نسمع فتاوى عجيبة كل يوم من "علماء" لا يفكرون ولا يهتدون بهدي القرآن الذي ذم التقليد الاعمى والجاهلين الذين "لا يعقلون",  والذي حث على العلم فابتدأ نزوله بكلمة "اقرأ" !

هناك 3 تعليقات:

  1. السلام عليكم ورحمة الله

    الأخ حسام عبد الكريم .. قرأت مقالك الجميل بتمعن ووجدت فيه بعذ الأخطاء الفكرية التي نسبتها لأهل الإعتزال وهم منها براء وما قرأت لأحدهم أنه كان يقول بهذه الأفكار التي لا توافق عقلا ولا كتابا !!!!

    قلت بأن المعتزلة تقول بأن المعجزات الواردة في القرآن تأولتها المعتزله بحيث لا تخالف نواميس الكون .. فهل من الممكن أن تذكر لي من أين أتيت بهذه الأفكار التي يتبرأ المعتزلة منها حديثا وقديما ؟؟!!!

    وتقول في قضية خلق القرآن : والذي حصل أن المأمون اقتنع برأي المعتزلة في قضية خلق القرآن. ودائماً حين تتدخل السلطة في شؤون الفكر فهي تفسد أكثر مما تصلح! وهذا ما حصل مع المأمون الذي قرر أن يجبر الناس على الاعتقاد بخلق القرآن!

    وهذا غير صحيح البتة .. فالمأمون لم يجبر الناس على القول بخلق القرآن لأنه اقتنع بالفكرة بل كان يرمي بإجبار الناس على اقتناع هذه الكرة الصحيحة أن بهز صورة أهل الحديث الذين أصبحوا يفكروا بالثورة ضده !!

    وأطالبك أن تقرأ رأي الشيخ أمين نايف ذياب المعتزلي المتوفى قبل 8 سنوات في هذه القضية فلقد فندها وبين موقف المأمون من هذه الفكرة ولماذا أجبر الناس عليها !!
    مع وجود ملاحظات أخرى ضربت عنها صفحا لضيق الوقت .. فأرجو منك أن تصحح المقال وتعيد نشره وأكون لك من الشاكرين ...

    في النهاية .. أحييك وأطلب منك أن تتعمق أكثر في دراسة فكر الإعتزال فستعجب أكثر بهم وبفكرهم العميق المدهش ... والسلام

    ردحذف
  2. بسم الله والحمد لله
    ذبا عن الحق واهله اهل السنة اهل الحديث
    اقول دين الله هو ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه
    وهو حقيقة دين الاسلام وما احدث بعده بغرض التقرب الي الله فليس بدين وبدعة منكرة يجب التصدي لها والقضاء عليها تضل صاحبها ولا يؤجر عليها بل قد يأثم
    وان استحسنها لقول النبي صلى الله عليه وسلم من احدث في امرنا هذا ماليس منه فهو رد.
    ومن هنا حذر النبي واصحابه ومن تبعهم بإحسان من كل محدث ومبدل لدين الله وحذر من الافتراق وحثهم علي الاجتماع علي كتاب الله وسنة نبيه تحت راية الحاكم المسلم وكتب العقيدة طافحة بالامر بلزوم الجماعة ونبذ الفرقة والتحذير من الذين افترقوا عن نهج النبي واصحابه ومن هذه الفرق الخوارج والشيعة والجهمية والمعتزلة والجبرية والمرجئة وغيرهم
    وانما حاربوهم لشقهم لجماعة المسلمين وابتداعهم في دين الله ما ليس منه
    ولعلي اتعرض للمعتزلة واوضح

    ان المعتزلة فرقة كلامية اخذت اصولها من الجهمية وجعلوا العقل حاكما علي النصوص الشرعية فأنكروا اشياء معلومة من دين الله بالضرورة ارضاء لعقولهم وأهوائهم
    فأصول المعتزلة خمسة يسمونها هم التوحيد والعدل والمنزلة بين المنزلتين وإنفاذ الوعيد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويريدون بهذا كله معاني اخري

    فتوحيدهم هم توحيد الجهمية الذي مضمونه نفي صفات الله عز وجل وغير ذلك
    قالوا إن الله لا يرى وإن القرآن مخلوق وإنه تعالى ليس فوق العالم وإنه لا يقوم به علم ولا قدرة ولا حياة ولا سمع ولا بصر ولا كلام ولا مشيئة ولا صفة من الصفات
    وذلك لشبهة الجهمية ان ذلك تنزيه لله عن مشابهة المخلوقين
    وهذا ابعد مايكون عن العقل كذلك عن النص الشرعي
    فالذي اثبت انه سميع بصير نفي ان يكون سمعه وبصره مماثلا لسمع وبصر المخلوقين ليس كمثله شيء وهو السميع البصير سبحانه
    فنحن نثبت ما اثبته الله لنفسه وما اثبته له نبيه من غير تمثيل ولا تكييف ولا تعطيل ولا تحريف
    فله سبحانه سمعه الذي يليق بجلاله كذلك باقي صفاته لا تشبه صفات المخلوقين
    فمن أين للمعتزلي تشبيه صفات الله بصفات المخلوقين في عقله ثم انكارها بحجة التنزيه
    وهذا لا يصح في المخلوق فيد الفيل ليست كيد النملة كذلك يد المعتزلي ليست كيد العقرب
    فمن اين اتت عقولهم التي حكموها علي القرآن والسنة

    كذلك العدل ارادوا به ان الله لم يخلق كل شيء ولم يشأ كل شيء فلم يخلق افعال العباد ارادوا بعقولهم ان ينزهوا الله عن فعل الشر فأثبتوا خالقين مع الله وقالوا ان الانسان خالق فعل نفسه وغاب عن عقولهم الفذة ان الله خلقهم وما يعملون فالله عز وجل ابتلي عبده بالمرض والمصائب في الولد لينظر صبرهم
    كذلك يبتليهم بالخير والنعم لينظر شكرهم فيستوجبون الثواب والعقوبة فالشر ليس شرا محضا
    والله حكيم كذلك اثبت لهم ارادة ومشيئة وعليها يجازون ان خيرا فخير وان شرا فشر الا ان يعفو الله عز وجل
    وما ربك بظلام للعبيد

    كذلك المنزلة بين المنزلتين
    ويقصدون بها صاحب الكبيرة فقالوا لا نقول مؤمن ولا كافر هو في منزلة بين المنزلتين وحكموا بخلوده في النار لا يخرج منها بشفاعة او غيرها وذلك لاعتقادهم ان الايمان جملة واحدة اذا ذهب بعضه ذهب كله وكما تقوله المرجئة فانهم ان اثبتوا الايمان لاحد قالوا مؤمن كامل الايمان وكما تقوله الخوارج فانهم ان نزعوه عن احد قالوا كافر خارج من الملة ولم يقولوا بتفاضل الإيمان
    فكل من اتي كبيرة ولم يتب عند المعتزلة فهو في منزلة بين المنزلتين وان مات خلدوه في النار
    وهذا خلاف ما دل عليه الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين لهم بإحسان
    فإن نصوص الكتاب والسنة تدل دلالة واضحة على أن مرتكب الكبيرة لا يكفر ولا يخرج من الدين بسبب ارتكابه للكبيرة، وإنما ينقص إيمانه فلا يذهب عنه الإيمان بالكلية بل يبقى معه مطلق الإيمان
    وارتكاب الكبيرة ليس سببا للخلود في النار فلا يخلد أحد في النار بسبب ارتكاب الكبيرة؛ لأنه لا يوجب الخلود في النار إلا الإشراك بالله عز وجل
    قال الله تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما} - إلى قوله - {إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم} فسماهم مؤمنين وجعلهم إخوة مع الاقتتال وبغي بعضهم على بعض
    وقال تعالي {إن الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}

    ردحذف
  3. أما اصلهم الرابع فهو إنفاذ الوعيد
    فهم يقولون إن الله عز وجل يتوعد على فعل المعاصي مثل قوله تعالى (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما) ومثل قول النبي صلى الله عليه وسلم (ثلاثة لا يدخلون الجنة مدمن الخمر، قاطع الرحم، والمنان بما أعطى) ومثل (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب)
    فيقولون بوجوب إنفاذ هذا الوعيد لأن الذي قال هذا الوعيد الله عز وجل وهو قادر فلابد من إنفاذه
    وغاب عن عقولهم ان نصوص الوعيد للكفار والفساق مشروطة بعدم التوبة لأن القرآن قد دل على أن الله يغفر الذنوب جميعا لمن تاب وهذا متفق عليه بين المسلمين فكذلك هنا فإن الله قد بين بنصوص معروفة أن الحسنات يذهبن السيئات وأن من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره وأنه يجيب دعوة الداعي إذا دعاه وأن مصائب الدنيا تكفر الذنوب وأنه يقبل شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في أهل الكبائر وأنه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء
    كما بين أن الصدقة يبطلها المن والأذى وأن الربا يبطل العمل وأنه إنما يتقبل الله من المتقين أي في ذلك العمل ونحو ذلك
    فجعل للسيئات ما يوجب رفع عقابها كما جعل للحسنات ما قد يبطل ثوابها لكن ليس شيء يبطل جميع السيئات إلا التوبة كما أنه ليس شيء يبطل جميع الحسنات إلا الردة وبهذا تبين أن نصوص الوعيد مثل قوله تعالي {الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا} هذا على الإطلاق والعموم فلا نشهد لمعين أنه في النار؛ لأنا لا نعلم لحوق الوعيد له بعينه
    لأن لحوق الوعيد بالمعين مشروط بشروط وانتفاء موانع ونحن لا نعلم ثبوت الشروط وانتفاء الموانع في حقه
    وفائدة الوعيد بيان أن هذا الذنب سبب مقتض لهذا العذاب والسبب قد يقف تأثيره على وجود شرطه وانتفاء مانعه
    يبين هذا أنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم {لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وآكل ثمنها}
    وثبت عنه في صحيح البخاري عن عمر رضى الله عنه (أن رجلا كان يكثر شرب الخمر فلعنه رجل فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تلعنه؛ فإنه يحب الله ورسوله)
    فنهى عن لعن هذا المعين وهو مدمن خمر لأنه يحب الله ورسوله وقد لعن شارب الخمر على العموم

    الأصل الخامس عند المعتزلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويعنون به جواز الخروج على أئمة المسلمين بالقتال إذا جاروا دون تقييد ذلك بالكفر البواح الصريح.

    وهذا رد مجمل علي اهل الاعتزال ومن اراد التوسع ففي كتب العقيدة يجد
    وكما ترون ان أجلّ اسباب خروج هذه الفرق الضالة عن معتقد اهل الحق اتباعهم لأهوائهم وأخذهم بطرف من النصوص وتركهم طرفا آخر لاشتماله على رد عليهم وإنما هدى الله أهل السنة والجماعة للحق في ذلك لجمعهم بين النصوص وتوفيقهم بينها
    ولعل بهذا يتبين كذب كاتب المقال وتدليسه وتلبيسه
    والله الموعد

    ردحذف