الأربعاء، 12 يونيو 2019

الحَشَويّة


الحشويّة مصطلح كان يُطلق في تاريخ الاسلام على تلك الفئة من المسلمين الذين يتمسكون بظاهر النص الديني ويرفضون العقل والتفكير في شؤون الدين تماماً , أي القشور والظاهر دون الجوهر والغايات ,,,, وقد أودى بهم تزمتهم وانغلاقهم العقلي الى وضعية صاروا فيها محل سخرية وهزء من أغلب مذاهب الاسلام, خاصة مع رفضهم – أو بالأحرى عجزهم – عن المحاججة والنقاش. كانوا يفهمون النصوص بحرفيتها ويرفضون كلياً أي تأويل لها وذلك قادهم الى آراء سقيمة ومثيرة للنفور من قبل غالبية المسلمين . فمثلا كانوا يقولون ان لله عينين , ويديْن , على الحقيقة , وانه يتحرك من مكان لآخر , ويجلس على كرسي , وانه على صورة آدم ,,,, وكانوا يقولون ان ارادة الله ومشيئته تتحكم في الانسان وتسيّره في كل شؤونه ,,, وغير ذلك الكثير الكثير من كلام أخذوه من ظاهر نصوص القرآن والسنة
وبقي حالهم كذلك , فئة صغيرة وغير مؤثرة في عالم الاسلام , الى أن جاء ابن تيمية في القرن السادس الهجري, فتغيرت الاحوال! جاء ابن تيمية لينقذهم ويخرجهم مما هم فيه من تقوقع وتردّي. كان ابن تيمية عبقرياً , لا شك في ذلك , وصاحب قدرات عقلية عظيمة. والمفارقة انه سخّر مواهبة الفذة تلك وعقله الجبار في محاربة العقل ذاته ! وكانت لديه مقدرة هائلة على النقاش والمحاججة والجدال , وكان يستخدم الأدوات العقلانية في كتاباته وآرائه. والذي حصل ان ابن تيمية تولى مهمة عُظمى وشاقة ونفذها بنجاح كبير : تقديم دفاع شرعي ومنهجي قوي جدا ومتماسك عن كل مقولات مذهب الحشو والحشويّة . لقد قام ابن تيمية بالرد على كل خصوم الحشوية من مذاهب الاسلام كلها ونجح في تهذيب وتشذيب مقولات الحشوية بحيث صارت أكثر قبولاً وأقل تنفيراً ونشوزاً , دون 
المساس بجوهرها. وأهم المحاور التي نجح ابن تيمية في إعادة صياغتها وإخراجها في حلةٍ جديدة يمكن تلخيصها كما يلي 

مسألة تشبيه الله للانسان ,,,, فقد طوّر نظرية أننا نصف الله بما وصف به نفسه , وبالتالي نثبت الاعضاء لله من ساقٍ ووجهٍ ويدين ولكن تلك الاعضاء لا تشبه اعضاء البشر وانما هي تليق بجلاله وعظمته , ونحن لا نعلمها 

مسألة تجسيم الله ,,, ابتدع ابن تيمية نظرية " البلكفة " ! والتي تتلخص في أن الله عز وجل صحيح انه يتحرك صعودا وهبوطاً ويمكن رؤيته يوم القيامة وان له عرشاً يستوي عليه ,,, ولكن ذلك كله ليس كما يدور في أذهاننا نحن البشر , بل ان الكيف غير معلوم . نثبت الصفات له , ولكن  بلا كيف 
 
مسألة القضاء والقدر , وعلم الله الأزلي ,,, فقد طور نظرية ان الانسان مخير ومسير معاً ! وانه صحيح ان الله بإرادته يخلق أفعال العباد وقدّرها عليهم ,,, ولكن الانسان ليس مجبراً لأنه لا يعلمها ! وبالتالي نفى عنهم نعت " الجبرية " دون تغيير الفهم والمعتقد

 مسألة " الفتنة " وطاعة الحاكم الظالم ,,,, فقد طور ابن تيمية نظرية " ملكٌ غشوم ولا فتنة تدوم " و " 60 عاماً مع إمام جائر خير من يوم واحد بلا إمام " و " اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم" أن الناس عليهم " لزوم الجماعة " و ان يعاونوا الحاكم على البر والتقوى وينصحونه ,دون الخروج عليه

وهناك مسائل أخرى كثيرة يطول الكلام بشأنها, ويطول,,,,, وبناء على ذلك صار للحشوية " مذهب " متكامل الاركان , وصار عندهم حجج وقدرة على المناظرة والرد على الخصوم , بعد أن كانوا لا شيء.
وحشويّة زماننا كلهم عالة على ابن تيمية , ومذهبهم يرجع اليه , بالفاصلة والحرف,,,, ولذلك هم يحبونه حباً جمّا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق