الجمعة، 8 مارس 2013

الاعجاز العلمي في القرآن


القرآن الكريم كتاب عقيدة وايمان, كتاب عبادة وأخلاق, كتاب سلوك , كتاب معاملات بين البشر,,,, باختصار كتاب دين . وهذه بديهية ولا تحتاج الى كلام.

فالقرآن ليس بأي حالٍ كتاباً في الفيزياء النووية , ولا الكيمياء التطبيقية , ولا الطب والفارماكولوجي , ولا جيولوجيا طبقات الارض ,,,, ليس كتاب علوم طبيعية. وهذا لا يعيبه ولا ينتقص من قدره. وهو أصلاً ليس مطلوباً منه أن يكون كذلك. فتلك العلوم لها ميادينها , وأسسها المرتكزة على التجربة والخطأ , والماديات, والبرهان العلمي والتحليلي. تلك علومٌ مكانها الجامعات ومراكز الابحاث والمختبرات.

وبالتالي عندما نقول ان القرآن ليس به اعجاز علمي فليس ذلك قدحاً به , أبداً, وانما هو تقرير لحقيقة بديهية : الدين ميدانه ومجالُه قلوبُ المؤمنين وليس العلوم التجريبية والطبيعية , والخلط بين الاثنين خطأ جسيم.


ولكن نفراً من المسلمين ظنوا انهم يحسنون صنعاً عن طريق الادعاء بأن القرآن به معلومات طبية وفيزيائية وفسيولوجية وجيولوجية كثيرة ودقيقة سبق بها العلماء والباحثين الذين توصلوا اليها في القرون المتأخرة بينما هي موجودة وساطعة في القرآن ذاته من 1400 سنة ! وللأسف  هؤلاء لم يدركوا انهم بذلك يسيئون لأنفسهم اولا, وللقرآن ثانيا وللاسلام ككل, بسبب عملهم الركيك وسعيهم البائس وراء وهمٍ وسرابٍ اسمهُ الاعجاز العلمي. فالمتابع لما يقوم به هؤلاء النفر من عمل دؤوبٍ في هذا الاتجاه سيجد ان عملهم يتلخص بما يلي :
ينتظرون نتائج البحث العلمي الحديث وما يتوصل له الانسان (وبالتحديد في الدول الغربية لأن بلاد المسلمين وللأسف أرضُ بورٍ وخراب في نواحي العلم والتكنولوجيا) من اكتشافات واختراعات , فيأخذونها – على الجاهز – ثم يبدأون رحلة البحث داخل سور وآيات القرآن الكريم عن كلماتٍ ومفرداتٍ وجُملٍ تحتمل التأويل, وألفاظٍ يقدرون على ليّ عنقها لكي يستخرجوا منها – عنوة – ذات الاكتشافات التي توصل لها العلم الحديث ! أي ان المسألة كلها لا تعدو تلاعبا في الألفاظ وشططاً وغلواً في التأويل من أجل اثبات ما هو مُثبت بالفعل! لا يأتون بجديد أبداً , لا يشتغلون ولا يبحثون ولا ينتجون ما ينفع الناس بل يكتفون بالقول للعالم المتحضر : أبحاثكم واكتشافاتكم وانجازاتكم العلمية كلها موجودة في القرآن , والحمد لله رب العالمين ! ولا أحد منهم يسأل نفسه ابداً السؤال الجوهري التالي : لو كانت هذه " المعجزات " العلمية موجودة فعلاً في القرآن الكريم فلماذا اذن غفل عنها المسلمون كل هذا الوقت ؟! لماذا لم يدرِ بها كبارُ الفقهاء المتخصصين في علوم القرآن ؟! لقد ألّف الامام الطبري تفسيراً من ثلاثين مجلدا للقرآن الكريم ولكنا لا نجد به شيئا من المعجزات العلمية التي يتشدق بها المتنطعون في ايامنا. وتفسير ابن كثير ضخمٌ وموجود في الاسواق ,ولكنه يخلو من اية نظريات علمية ثبتت في ايامنا , فلماذا ؟ ألم يكن هؤلاء بقادرين على فهم القرآن؟ أم أن هناك في القرآن " شيفرات " سرية وكودات لا يفهمها الاّ زغلول النجار وعبد الدايم كحيل بعد ان يتم اعلانها في اوروبا وامريكا؟
ومن مظاهر عقدة النقص لدى هؤلاء اصرارهم على العثور على بعض الغربيين (حتى لو كانوا نكرات في المقاييس العلمية ) ليدعموا بهم مزاعمهم. وإن لم يعثروا على من يلبي طلبهم اخترعوهم ! فتراهم ملهوفين على ذكر " العالم الامريكي فلان " أو " البروفيسور الالماني علان " وبأنهم فعلاً انبهروا بالمعجزات التي في القرآن الى حد اشهار اسلامهم. ولو دققت في الأمر لاكتشفت التلفيق بكل سهولة, ولكنهم لا يبالون لأنهم يخاطبون عامة من الناس الذين يحبون سماع اخبار المعجزات والخوارق , فلا تدقيق ولا متابعة , بل تصديق أعمى لأنه يوافق هوى النفس.


وسأضرب مثالاً على إمكانية التلاعب بالكلمات والالفاظ للوصول الى اي نتيجة يريدها الانسان : كلمات المُضغة والعلقة والنطفة في القرآن. هذه الكلمات كلها ليس لها تعريف علمي محدد في القرآن بل وردت هكذا بلفظها العربي القديم. ويستطيع اليوم ان يأتي أيّ كان ليقول ان العلقة هي "الخلية" , ويأتي آخر ليقول ان النطفة هي "الكروموسوم " وثالث يقول ان المضغة هي الـ " دي ان آيه" وغير ذلك من معاني يستخدمها العلم الحديث هذه الايام, ويبني عليها نظريات علمية طويلة عريضة ينسبها الى القرآن الكريم. وواضح طبعا ان هذا كله شطط وتعسّف لأن ألفاظ القرآن ينبغي ان تفهم في ضوء كلام قريش القديم وما كان ساريا ايامهم , ويمكن الرجوع الى لسان العرب لابن منظور أو ما يناظره من معاجم للوقوف على ما تعنيه تلك الكلمات حقا, لا أن نأتي لنلصق بها مفاهيم ومصطلحات تعارف عليها علماء زماننا .


وهناك نقطة أخرى مهمة ينبغي ذكرها : فإلصاق اكتشافات ونظريات علمية حديثة بالقرآن الكريم يمكن ان يكون سيفا ذا حدين. فالمعلوم بالضرورة ان النظريات العلمية قابلة دائماً للتغيير والتطوير على يد علماء جدد قد يخالفون أو حتى ينقضون ما قام به سابقوهم من عمل بناء على معطيات أحدث واكثر تطورا مما سبق. فماذا نفعل لو حصل ذلك ؟ لو قلنا ان النظرية العلمية الفلانية أو ظاهرة معينة ذكرها القرآن وأشار لها , ثم حصل وتبيّن خطأها , هل سنقول ان القرآن أخطأ ؟! فكيف يخطئ القرآن وهو من عند الله؟ العلم قادر على القول : أخطأتُ وغيّرتُ وطوّرتُ , أما القرآن ؟؟ هل يقبل المؤمنون إخضاع القرآن لمعايير البحث العلمي الحديث؟؟ فلذلك من الضروري إبعاد القرآن الكريم عن مجال العلوم الطبيعية والتجريبية, حفاظاً على مقامه وقيمته.

 
والخلاصة ان الاعجاز العلمي وهمٌ يدور في اذهان البعض ممن ارادوا ان يُسدوا خدمة للاسلام فأخطاوا الوسيلة والمنهج فأهدروا الطاقات والاموال وأحدثوا صخباً وضجيجاً كثيرا , لا أكثر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق