الجمعة، 16 مارس 2012

هل يجوز الاجتهاد فيما فيه نص ؟

الأصلُ في الأحكام الشرعية أنها تراعي مصلحة العباد وهي ليست جامدة متحجّرة كجلمود الصخر بل هي تراعي تغيّر الظروف والأحوال. هكذا نظر اليها وتعامل معها عددٌ من كبار العارفين بها , ومنهم الخليفة عمر بن الخطاب. وفيما يلي بعضٌ من أشهر اجتهاداته الجريئة قبال نصوص قرآنية محكمة وسنةٍ نبوية صريحة :
إلغاء سهم المؤلفة قلوبهم
تغيير سنة النبي(ص) فيما يتعلق بصلاة التراويح
تغيير موضع مقام ابراهيم
اجتهاده فيما يتعلق بالمتعتين ( الحج والنساء)
بالاضافة طبعاً الى الحادثة المشهورة بعدم تطبيق حد السرقة في عام الرمادة.
لن أدخل في التفاصيل ولن أتطرق الى المصادر بل سأكتفي بذكر هذه المواقف التي أظهر فيها عمر بن الخطاب جرأة كبيرة في الاجتهاد قبال الأحكام الشرعية المستندة إلى الآيات القرآنية والسنة النبوية المؤكدة, ففيها توضيحٌ لمقصدنا.
ومواقف عمر بن الخطاب هذه تشكل تحدياً فكرياً كبيراً للجماعة المتحجرين فكرياً في ايامنا هذه والذين يرفضون أي اجتهاد في اي مسألة فيها نص شرعي ويتمسكون بنظرية أن الاحكام الشرعية التي تتعلق بالعقوبات والتعاملات بين الناس ينبغي أن تطبق بشكل اوتوماتيكي في كل مكان وزمان بغض النظر تطورات حياة البشر والمجتمعات.
والشيخ السعودي عبد الرحمن بن ناصر البراك   هو واحد من هؤلاء . فهو معروف بفتاويه المتشددة ونزعته التكفيرية للمخالفين. وقد قرأتُ في عدة مواقع على الانترنت نص مقابلة أجرتها معه صحيفة الانباء الكويتية. والمقابلة طويلة وفيها كلام كثير بشأن مواضيع متعددة, ولكني أقتبس هنا نص كلامه فيما يتعلق باجتهادات الخليفة عمر بن الخطاب . يقول البراك في معرض رفضه للداعين الى الاجتهاد :
"وأما ما ذكروا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أنه عطل بعض الحدود الشرعية فكلمت «عطل» هذه باطلة، لأن «عطل» تدل على أنه ألغى حدود الله، بينما غاية الأمر أنه أرشد إلى ترك إقامة الحد على بعض الناس في ظرف معين، وبسبب من الأسباب وهو عام الرمادة، وهذا الترك يختلف باختلاف الأحوال"
وقد أعدتُ قراءة نص كلام الشيخ البراك عدة مرات ولكني لم استطع أن أفهم منه شيئاً يدعم حجته ورأيه! فما معنى قوله ان عمر لم يعطل الحد ولكنه " أرشد الى ترك إقامة الحد على بعض الناس في ظرف معين"؟!
سواء قلنا " عطل " أو " ترك " فلن يغيّر ذلك من حقيقة الامر شيئاً , فعمرُ لم يطبق الحد الشرعي وهذا ما حدث بالفعل مهما كانت الكلمة المستعملة لوصف ذلك.
هل المشكلة هي في الالفاظ ؟ أم في المضمون ؟
يعني اذا قال الداعون للاجتهاد للشيخ البراك ان " اختلاف الاحوال " يجعل الاحكام الشرعية المتعلقة بالجواري والعبيد مسألة تاريخية لا يجوز تطبيقها في عالم اليوم , هل سيقبل؟ واذا قال الداعون للاجتهاد أن "اختلاف الأحوال" المتعلقة بالمرأة المتعلمة العاملة يجعل من فكرة ولاية قريبها الذكر عليها غير مناسبة لعالم اليوم , هل سيقبل؟ واذا قال الداعون للاجتهاد ان " اختلاف الاحوال " يعني ان أحكام الغزو والغنائم كانت تتعلق بمرحلة معينة في التاريخ وانتهت , هل سيقبل؟ 

اذا كانت مسألة ألفاظ فالأمر يهون ,,, ولكن المشكلة مع رموز السلفية أكبر من ذلك بكثير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق