الجمعة، 27 مايو 2011

خطأ نظرية التدخل الالهي المباشر في حياة البشر

يتم الترويج عبر الانترنت لمعجزات مزعومة تثبت صحة دين الاسلام . وقد صارت شائعة جداً.

وأنا أقول انه قد حان الأوان لنا نحن المسلمين لكي نعلن بوضوح وبجرأة رفضنا لمثل هذه الايميلات التي تنتشر بسرعة البرق على الانترنت لأنها :
أولا : مكذوبة وملفقة . ويقوم على دبلجتها مجموعات من الشباب الذين يتوهمون انهم يقدمون "خدمة " للإسلام عن طريق نشر أخبار عجيبة غريبة بشأن أمور غير معقولة وبعيدة عن المنطق حصلت هنا أو هناك , أو رواها فلان عن علان ,,,, لتثبت ان الاسلام هو دين مؤيَّد من لدُن الله رب العالمين.
ثانياً : انها تسيئ لنا نحن المسلمين, وتظهرنا أمام عالم القرن الحادي والعشرين كقومٍ جَهَلةٍ لا شغلَ لهم الاّ ترويج السخافات والاكاذيب.
ثالثاً : لأن هناك ألف طريقة أفضل لنشر الاسلام من هذه. فإعطاء صورة حسنة عن الاسلام تكون عن طريق التعامل بالحسنى , والاخلاق الرفيعة , وتحصيل العلم النافع, وتقديم الخدمات المفيدة للبشرية ,,,, وليس عن طريق ادّعاءات لا أساس لها من الصحة , تعافها النفسُ ويرفضها العقل.


والنظرية الاساسية وراء ايميلات المعجزات تلك هي ان الله عز وجل يتدخل في تفاصيل حياة البشر ويؤثر في مجرى الاحداث لصالح اوليائه وليدعم دينه الذي ارتضى لهم , وضد الكافرين وأهل الاديان الاخرى. ولكن نظرية التدخل الالهي هذه لا تصمد امام النقد والتمحيص فلا يمكن قبولها. لماذا ؟ لأن المنطق يقول ان من يقبل المقدمات لا بد أن يقبل بالنتائج , وأن السبب يؤدي الى المُسبّب. فإذا سلمنا أن الله تدخل ليحمي مسجداً من الدمار, مثلاً, فعلينا اذن أن نستنتج أنه اذا حصل وتعرض مسجدٌ للدمار فتلك هي ارادة الله وأمره! فكم مسجد يا ترى دُمّر وتهدم في زلازل كثيرة حصلت في باكستان وايران والهند وتركيا واندونيسيا وغيرها ؟ لماذا لم يتدخل ربنا عز وجل لينقذ تلك المساجد ؟؟

وأنا أوجه لأصحاب نظرية التدخل الالهي سؤالاً مباشراً , أيهما أهمّ وأغلى عند الله عز وجل: المسلمون , أم مسجدُ المسلمين؟ البشرُ أم الحجرُ ؟ لماذا يحفظُ الله المبنى الذي يصلي فيه عبادُه المسلمون ولا يحافظ على حياة المسلمين أنفسهم؟ لماذا لم ينقذ الناسَ من الموت؟

وأضربُ مثلاً آخر . في مواسم الحج المتتالية يتكرر حصول حوادث مؤسفة يذهب ضحيتها الكثيرون. وسأذكر واحداً منها فقط . ففي عام 1997 تسبب حريق نجم عن سخانة تعمل بالغاز في نشوب حريق هائل أتى على مخيم الحجاج في منى بالقرب من مكة المكرمة ما أدى إلى مقتل 343 حاجاً ! فهل كانت تلك ارادة الله ؟ هل أراد الله أن يحرق بالنار عبادَه المؤمنين الذين أتوا من كل فج عميق ليحجوا الى بيته الحرام؟ فاذا قلنا حاشا لله أن ننسب اليه إرادة الأذى لأوليائه المؤمنين فلماذا اذن لم يتدخل ربنا عز وجل لينقذهم من الموت بتلك الطريقة الشنيعة؟ لا جواب على ذلك التساؤل المشروع الاّ بتنزيه ربنا عز وجل عن إرادة الشر , وبالتالي لا بد من التسليم بأنه لا يتدخل في مسار أحداث حياة البشر بل يدعها تسير حسب قوانينها الطبيعية.

فالله عزوجل وضع " نواميس الكون " , وهي بلغتنا الحالية تعني قوانين الطبيعة, والتي يسير على أساسها الكون كله بما فيه من بشر وشجر, جماد وحيوان, وتركها تعمل بإرادته الكلية الشاملة. وهو بعد ذلك لا يتدخل لينقض ذات القوانين التي وضعها هو وأحكم حبكها.

ومتابعة لمثال حريق الحجاج عام 1997 : ماذا لو قال بعض الشامتين من أهل الديانات الاخرى, يهودٌ مثلاً , أو هندوس , ان الله تعالى قد أصدر حُكمَهُ على هؤلاء المسلمين الذين يتبعون ديناً كاذباً فأحرقهم عند كعبتهم ليثبت زيف عقيدتهم! كيف نردّ عليهم , وبأيّ منطق نجيبهم إن كنا ندّعي ان الله قد أبقى مسجد المسلمين وحده سليماً من الزلزال الرهيب؟ لن نتمكن من القول ان حريق الحجاج في مكة نتج عن حادث مؤسفٍ أسفر عن انتشار النار بسرعة في الخيام المصنوعة من القماش الجاف , وان ذلك ليس دليلاً من الله على ان دينهم باطل. فهذه بتلك! إن قلنا ان الله قد تدخل لينجي المسجد من الزلزال فسيقولون ان الله أراد حرق الحجاج في مكة.

ولذلك لا بد من تنزيه ربنا عز وجل عن فكرة تدخله المباشر في حياتنا. وعلينا ان نتوقف عن نسبة أفعالنا اليه. فمن يجتهد ويدرس ينجح في التوجيهي ومن لا يتبع قواعد المرور سيفشل في امتحان القيادة , ولا يجوز ان ننسب الفشل او النجاح الى الله عز وجل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق